انتشرت عدد من الروايات التاريخية الباطلة في كتب ومجالس المسلمين، وظهرت بعض هذه الروايات في استدلالات المرجفين والطاعنين من طرف خفي في الإسلام وقيمة وآدابه وأخلاقه بحجة رواية التراث، ومن ذلك أن بعض الجرائد العلمانية سارت على هذا الدرب، وبدأت تسوق هذه الروايات الباطلة (كالجريدة الأولى تحت عنوان: مِن صَدْر الإسلام)، لذا ارتأت السبيل تفنيد بعض تلك الروايات كما جاءت في رسالة “أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ” لأبي عبد الله الذهبي..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
إن الأمة الإسلامية قد تتعرض لفترات ضعف، تؤثر على شخصيتها، لكن يظل منهجها الرباني قائماً بالقسط لا يثلمه ظلم غادر، أو طغيان متجبر، أو تحريف غال..
وقد سعى أعداء الإسلام ومنذ عصر الرسالة، للطعن في هذا الدين بشتى الوسائل والطرق، وبذلوا في ذلك الغالي والنفيس، لكن الله لم يمكن لهم، فرد كيدهم، وقطع ألسنتهم، وفضح سرائرهم..
وإن من أكثر الأمور التي يستغلها الأعداء للدس والطعن في هذا الدين، هو التاريخ! نعم هو التاريخ..
قد تتساءلون كيف؟
أقول: إن أحداث التاريخ عامة، والتاريخ الإسلامي خاصة لم يتم تدوينها إلا في زمن العباسيين، فالأحداث التي حدثت قبل تلك الفترة اعتمد المؤرخون في تدوينها على الرواة وهؤلاء الرواة يتفاوتون في درجاتهم، وعدالتهم..
خاصة إذا علمنا أن من بين الرواة من تأثر بالفكر الخارجي، وآخر بالفكر الرافضي، وثالث من تستهويه المناصب.. الخ.
لذا فقد وضع أهل الاختصاص قواعد مهمة لقبول تلك الروايات، تماماً كتلك القواعد التي وضعت لدراسة الحديث النبوي الشريف، من دراسة للسند والمتن، وغيرها.. كذلك وضعوا شروطاً لقبول تلك الرواية، شروط تتعلق بالحدث، وأخرى براوي الحدث.
وبما أن هذا الدس وقع في فترة هي عزيزة على قلوبنا، ألا وهي الفترة الذهبية كما يسميها أهل العلم، لذا فإنه علينا نحن أحفاد الصحابة أن نذب عنهم ما نستطيع، كل حسب قدرته، وكل في موضعه، ولئن أتى على هذه الأمة خريف أسقط ما عليها من ورق، ولم ير الراءون عليها ما اعتادوا من أطايب الثمر، وأقبل صبيان التاريخ يتقافزون على فروعها ويقتطعون منها، فإن من طبائع الأمور الخاضعة لسنة الله أن تمد جذورها من جديد، فتعود مورقة تستظل البشرية بظلها، ولن يصلح شأن هذه الأمة إلا بما صلح به أولها..
فهذا التاريخ نقدمه إلى أمتنا في وقت هي أشد ما تكون حاجة إليه، فإننا في صراعنا المعاصر لا نبدأ من فراغ، وليس على سطح الأرض اليوم، لا في أمريكا ولا في أوروبا ولا في روسيا، ولا في غيرها أمة لها ما للمسلمين من جذور عميقة في التاريخ، وفي الأصول الحضارية، ولا في منهج الحياة، فهي كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
وبعد هذه المقدمة سوف أتناول إن شاء الله في كل (عدد) موضوعاً يتم دراسته دراسة علمية.