معركتا الزيتونة وعين الصباب وتدمير قصبة مغشوش 1911 الأستاذ إدريس كرم

تحت هذا العنوان واصل الكولونيل سانطي تدوين عمليات الغزو الفرنسي لقبائل زعير في كتابه «غزو المغرب» ص.46.
غادر الكولونيل برانلي الدار البيضاء في 5 يوليوز 1911، حيث تمركز في معسكر بلحوت على رأس القوات التي ستعاقب زعير، وقد اجتازت يوم 10 منه واد كريفلة، وتوقفت في دار الجيلالي قرب مغشوش، مارّة بمكان الانفجار الذي أودى بحياة ليوطنان مرشان وستة من الكوم.
يوم 14 يناير 1911، توصل برانليي بأمر إرجاء تنفيذ القصاص من القبائل الزعرية، والاكتفاء باحتلال قصبة مغشوش، ومحاولة التفاوض معها على الخضوع والطاعة، وفعلا قبل بعضها طلب الأمان خاصة وأن قواتنا صارت مطوقة لأماكن تواجد القبائل على شكل دائرة بعدما تمركزت بمغشوش، وعلى الطريق بين الرباط وتيفلت مستعدة للتدخل ضد أي مهاجم لرده ومعاقبة من معه بشدة.
لقد ردت قواتنا عدة هجمات وهي في طريقها للمعسكر السابق، ويوم 10 من الجاري حوالي الساعة الثانية والنصف بعد الزوال، تم رصد فرقة استطلاع من الكوم، وكوكبة من الخيول المعادين أصحابُها لنا تتجمع على بعد 3 كلم من معسكر دار الجيلالي، وقد تم التنبه للمستطلعين من طرف الأعداء فأطلقوا عليهم النار، فقتل واحد وفر الباقي نحو المعسكر للإبلاغ، وهكذا تم توجيه مدفعية 75 نحو الهدف وتحريك بعض المشاة في نفس الاتجاه، حيث تم تشتيت التجمع، ورجعت القوات في الساعة الخامسة.
يوم 11 يوليوز، خرجت قافلة من مركز عركوب السلطان للالتحاق بمعسكر دار الجيلالي، وقد أبلغ برانليي الخارجين بأنه بعث بقافلة للقائها في الطريق حتى لا تتعرض لأذى، تضم فوجا من اللفيف، وكتيبة مدفعية، وفصيلة اصبايحية، والكوم، حيث بدأ وصولهم إلى عين الصباب بدء من الساعة الخامسة صباحا، والتقت بالقافلة القادمة على الساعة الثامنة صباحا في مرتفعات الزويتينة. ص.46.
وقد شاهد جنود القافلة على بعد منهم فرسان الأعداء يتبعونهم، فأعطيت الأوامر بقنصهم لكن ذلك العمل جعل أعدادا غفيرة منهم تظهر على المرتفعات المحيطة بخط سير القافلة، وقد حاولت جماعة منهم تنفيذ هجوم على الجناح الأيسر للقافلة، بيد أن قذائف المدافع ردتهم عن تنفيذ مرادهم بعد معركة ضارية جعلت برانليي يرسل تعزيزات جديدة وصلت مكان المعركة على الساعة العاشرة والنصف، وهكذا غادر الزعريون مكان العركة مخلفين 150 قتيلا، أما خسائرنا فكانت قتيلين وعشرة جرحى بينهم ضابط، وكلهم من اللفيف.
يوم 12 يوليوز، عسكرت القوات في سفح جبال عين الصباب، وهناك دارت معركة قاسية مع العصاة الذين قدموا من الشرق، وقد فتحت عليهم كتيبة 65 النيران مما شجع الكوم على الذهاب في اتجاههم للاستطلاع، مقررين خوض معركة حامية معهم لإيقاف تقدمهم تجاهنا، فتم ذلك على بعد 400م بواسطة نيران كتيبة الخيالة وكتيبة 75 التي جاءت للدعم، وكذا صليات المشاة التي جاءت بدورها للإسناد والدعم.
لقد تفرق العصاة بعيدا دون أن يختفوا بالمرة، وفي الساعة الخامسة و45 دقيقة نفذ تسرب في اتجاه الأعداء، من أجل معرفة إمكانية عودتهم لتطوير الهجوم، بعدما لوحظ فرارهم تاركين قتلاهم على الأرض.
توقفت الملاحقة على الساعة السابعة، وقد فقدنا قتيلين وستة جرحى بينهم ضابط. ص.47.
في يوم 30 يوليوز، قاد برانليي تلك القوات لمعسكر بلحوت، بعدما تم تهدئة القسم الأكبر من زعير، ومعاقبة العصاة منهم بنزع أسلحتهم وخيولهم وأمتعتهم ومصادرتها لصالح قواتنا كدعائر، تاركا بعين الصباب معسكرا للمتابعة ومراقبة باقي العصاة من بني هاكن والنجا على أطراف زعير وزمور الرافضين المخالطة مع ضباطنا، والمعارضين لتواجدنا مع أنهم أصبحوا أقل عداء وقابلين تحرك قواتنا، بل أحيانا حراستها من الهجمات المنفلتة.
يوم 18 غشت، عندما كان الجنرال موانيي ذاهبا إلى قصبة مغشوش تعرض لهجوم عند كلتة الفيلة من طرف قسم من زعير المنشقين، فردتهم طلائع القوات المرافقة له المكونة من كوم الجزائر، حيث فر المهاجمون في اتجاه واد بوركراك، بعد معركة قاسية كلفت الكوم سبعة قتلى وثمانية جرحى واصبايحي وسنغالي.
في هذه الأثناء تم اجتماع بين ممثلي آيت يوسي، وبني يزناسن، وبني وراين، وبعد نقاش طويل اتفقوا على تجديد الأعمال العدائية ضدنا بعد رمضان نهاية شتنبر.
في 18 غشت أيضا، تم التوصل مع ألمانيا إلى اتفاق حرية فرنسا في إطلاق يدها بالمغرب. ص.49.
جاء في كتاب «في بلاد البارود» ط. 1914
الجنرال دالبيز والكولونيل كورو سيخوضان معارك ضد زعير حيث يدحر (غضب الفرنسيين) الأعداء، ومعاقبة غلاة زعير، والثأر لمقتل الضابطين ميوكسي ومارشاند (ص.41)؛ ويضيف في فاتح يوليوز 1911 توصلت قواتنا بأمر الالتحاق بالكولون الذي يقوده الكولونيل برانليي، المتجمع في معسكر بلحوت للقيام بعمليات ضد زعير. ص.45.
وفي الطريق مررنا ببير رابح الشهير في تاريخنا المغربي، حيث دارت معركة قاسية في فبراير 1908، قُتل بها ضابطان.
لقد كنا حوالي 3000 رجل معنا أربعة مدافع، كوم القبطان فلاي سان ميري، قائد بيرو أعراب هنا الذي يعرف البلاد جيدا ولديه حساب يريد تصفيته مع زعير، كَوّن طليعة قواتنا يوم 10 يوليوز 1911 عسكر الكولون في عركوب السلطان غرب واد كريفلة، حيث تتراءى من بعيد قصبة مغشوش حيث قتل ليوطنا مرشاند وقد تعرض كوم الطليعة لمناوشات أسفرت عن جرح حصانين وراكبيهما، غادرنا عركوب السلطان، ونحن نقطع واد كريفلة، حاول موالون للأعداء التشاجر معنا من أجل تفكيكنا وتصعيب مسارنا وجعله أطول خشن، وفجأة سمعنا دوي طلقتي مدفع من عيار 75 أقيم لحماية طليعة القوات أثناء اجتيازها الممرات الضيقة بين الجبال على بعد حوالي ثلاث كلومترات، وذلك بعدما تم رصد مدفعيتنا جماعة من الفرسان يفرون سراعا، بعدما أطلقوا بعض الأعيرة النارية ضد موالين لنا من الرعاة. ص.53.
قضينا اليوم في قطع وادي كريفلة بدون سماع طلقات، لكن بمشقة بالغة، ثم عسكر الكولون في عين الجبوجة، مكونا من أفارقة 150 بندقية، خمسة اصبايحية جزائريين، ثلاثة كوم مغاربة، تلغرافيين، مكلف بمنظار، ثلاثة قناصة مرضى، أربعة ممرضين، عمال مدفعية، ثلاثة هندسة، تركنا معهم كل عتاد ثقيل، في المجموع 200 رجل، و150 حصانا وبغلا، بسرعة تم إقامة المركز تحسبا لمهاجمته ليلا.
معركة الزيتونة وتدمير قصبة مغشوش
يوم 10 يوليوز وصلت إلى المركز الذي اقيم فرقة من اللفيف مع منتصف النهار، حيث قضت الليل، وفي الغد يوم 11 رحلت، حيث وجدت في استقبالها في سهل كريفلة كتيبة من المشاة، وقطعة مدفع، اتت من عين الجبوجة، لمرافقتها، حوالي الثانية صباحا سمعنا دوي المدفع بين الجبال في اتجاه القافلة، وقد كنا نشاهد فرسان الأعداء يجرون في ضوء قنابل المدفع، لقد هوجمت القافلة بضراوة فجأة انطلق دوي مدفع في الجنوب حيث بدأت تدور معركة اخرى فتوالت القنابل وانتهت المعركة بانقسام فرسان زعير وفرارهم، وعلمنا فيما بعد انهم مؤلفون من بضع مئات من الفرسان هاجموا القافلة عند اجتماعها بالقوات المرسلة لمرافقتها مركزين على قافلة التموين، وقد تواصلت المعركة على مشارف معسكر الزيتونة. ص.58.
في منتصف النهار ظهر دخان كثيف جهة الكولون فجأة في السهل في اتجاه مغشوش بفعل قيام اصبايحية والكوم بإشعال النيرات في المحاصيل الزراعية من قمح وشعير خاص بالأعداء، فانطلق تبادل اطلاق النار في وسط الدخان بدأه الأعداء، حوالي الساعة الخامسة مساء سمع دوي هائل فجأة في قصبة مغشوش جراء تفجيرها بمفرقعات ميلينيت من طرف هندستنا التي فرعتها، حيث انطلقت من تلك الزاوية نار ضخمة. ص.61.
وبذلك انتهت معركة الزيتونة بتدمير قصبة مغشوش وإحراق المحاصيل الزراعية للقبائل المحيطة بها.
معركة عين الصباب في 12 يوليوز 1911
في 12 يوليوز، وصل للمعسكر جرحى اليوم السابق وهم حوالي عشرة، كما غادر الكولون الزيتونة ليعسكر في عين الصباب، وهي نقطة ماء هامة في شرق كريفلة على بعد أربعة كلومترات منا، يمكن مشاهدة الرجال والخيول بالمنظار من المعسكر، ومن حسن حظنا أن المغاربة لا يعرفون الرمي للأعلى ولا يتوفرون على مدافع ورشاشات.
حوالي الثالثة وقع هيجان في المعسكر غير عادي فجأة، لقد هوجم المعسكر من ثلاث جهات بأعداد كبيرة من الفرسان، مقسمين لمجموعات صغيرة، أو موجات كبيرة، جابوا المعسكر تحت وابل الرصاص والقنابل، كانوا يذهبون ويعودون ويسقطون ولا يتراجعون، أنهم شجعان حقا لا يهابون الموت. ص.61.
مع الغروب بدأت المعركة في الانتهاء، وفي الليل بدأ الأعداء يعودون لأخذ قتلاهم الذين سقطوا بعد تجاوز الخندق الذي أقمناه لحماية المعسكر، لكن طلقة مدفع أبعدتهم، لقد خسرنا حوالي عشرة من الرجال بينهم ضابط، أما الأعداء فقد تركوا حوالي 99 قتيلا و200 جريح.
يوم 31، جابت فرقة استطلاع لمدة ثلاثة أيام شمال وشرق عين السبيت، وزارت عدة دواوير قدمت الطاعة لها، بعدما فقدت قادتها في عمليات 11 و12، لقد بدا على زعير الإحباط وتثبيط الهمة. ص.68.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *