بيان مختصر من الأمة المراكشية 3/3 إبادة العقيدة الإسلامية والعمل على تنصير الأمة المغربية

في الوقت الذي وضعت فرنسا خطة القضاء على الإسلام كشريعة، فكرت في القضاء عليه كعقيدة، ووضعت تحت سيطرتها أوقاف المسلمين، وجعلت من إدارتها إدارة مالية، تشتغل بالبيع والشراء، والهدم والبناء، ومضت في هذا السبيل إلى أن بلغت عقاراتها 50173 ألفا، وبلغت قيمتها الكلية 718409000 مليونا من الفرنك، وبلغت أموالها المحفوظة 13320000 مليونا من الفرنك، وأصبحت الضرائب السنوية التي تدفعها هذه الإدارة لصندوق الحماية تتراوح ما بين 700000 و 800000 ألف، أما بناء المساجد والإنفاق على المؤسسات الإسلامية، والعناية بالوظائف الدينية، وتشجيع الموظفين الدينيين، وبدل الأوقاف الإسلامية، فيما وقفت لأجله، من الدعاية للإسلام، وبث الوعظ والإرشاد بين عامة المسلمين المغاربة، فهذه أمور لا تهتم بها إدارة الأوقاف أقل اهتمام، بل هي كما تقول “أنها ليست من وظيفتها وإذا أراد المسلمون شيئا من هذا فلينفقوا عليه من أموالهم الخاصة”.
لم تكتف فرنسا بهذا فأصدرت أمرا يمنع الوعاظ المتطوعين.. ويقضي بطرد الفقهاء ومعلمي القرآن من القبائل البربرية جميعا، حتى أصبحت القبائل اليوم لا تسمع كلمة واحدة تذكرها. يا أيها السادة إذا علمتم أن كثيرا من هذه القبائل طالبت إدارة الأوقاف بإنشاء مساجد للعبادة، فامتنعت هذه الإدارة من إنشائها ولعل عجبكم يكون أكبر، إذا علمتم أن قبيلة تجمع تبرعات لإقامة المسجد، وأن السلطة الفرنسية، تأخذ هذه التبرعات، وتحرم على المسلمين أن يقيموا مسجدا من تبرعاتهم الخاصة.
أما النشرات الإسلامية، والصحافة الإسلامية، فأمر محظور، لا يسمح بدخوله إلى مراكش وكذلك جميع الكتب الإسلامية المدافعة عن الإسلام، أو المنبهة للمسلمين، فهي كلها حرام، وشراؤها إجرام، (مثل صحيفة الفتح، ومجلة المنار، ورسالة لماذا تأخر المسلمون؟)، بل ربما كان أغرب من هذا أن صحافة الجزائر الإسلامية ممنوعة عن مراكش، هذا وفرنسا تعتبر الأولى مستعمرة والثانية حماية فقط، وأما إنشاء الجمعيات الإسلامية، فلم تسمح السلطة الغاشمة بأي تشكيل من التشكيلات الإسلامية أيا كان حاله، ومراكش منذ بسط الحماية إلى اليوم، أي منذ عشرين سنة لم يستطع أهلها أن ينالوا حرية كافية لإنشاء صحيفة إسلامية واحدة، أو جمعية إسلامية، مهما كان نوعها، وهي اليوم خالية من الصحافة، محرومة من النوادي محرم عليها إنشاء الجمعيات، بل إن السلطة الفرنسية أخيرا أصبحت تتدخل حتى في خطب صلاة الجمعة، وكلما ألقى خطيب نصيحة إسلامية، أو موعظة حسنة، بعثت إليه، وهددته بالعقاب الشديد، وكذلك دروس الوعظ في المدن، لا يستطيع الواعظ أن يتوسع فيها، في الدعوة والإرشاد أبدا، وهكذا وضعت فرنسا العراقيل في سبيل الدعوة الإسلامية، وهيأت جميع الوسائل للقضاء على عقيدة الإسلام، ومحوها من نفوس الأمة المغربية.
أما دعاية “التبشير” فتكفل الحكومة الفرنسية حمايتها وتشجيعها، وتخصها بنفقات كثيرة، ومساعدات وفيرة، من الميزانية العامة للمغرب الأقصى ومن ميزانية الأوقاف الإسلامية، ومن أوراق اليانصيب التي تفرضها على جميع الموظفين المسلمين لحساب التبشير والمبشرين، ومنذ 1923 قويت حركة التبشير بين المسلمين، وأسست فرنسا مركزا عاما للتبشير في عاصمة المغرب وربطته بفروع منتشرة في المدن والضواحي، والقبائل الخاضعة والمستقلة وجعلت لهذا المركز مجموعة من السيارات تنتقل ما بين فرع وآخر، وتنقل المسلمين الذين تقوم الكنيسة بتنصيرهم من الفروع إلى المركز العام، وفي سنة 1929 انعقد مؤتمر للمبشرين بمدينة “لورد Lourdes” وكان رئيسه الأسقف “فييل Viell” الذي هو رئيس المركز التبشيري العام في مراكش، فخطب خطبة خطيرة، شرح فيها برنامج تنصير المراكشيين، وأخبار البيض والفرنسيسكان، إلى المغرب وينتشرون في القبائل وأحياء البادية.
في نفس الوقت الذي حرم فيه الوعاظ والفقهاء المسلمون من الانتقال إلى تلك الأحياء، ورأينا مدارس دينية تبشيرية تفتح وكنائس تؤسس، ورأينا كتب العقيدة المسيحية تطبع بلهجة المغرب العامية، وجميع اللهجات البربرية، وتوزع في جميع نواحي المغرب، بل إنها أصبحت توزع في الإدارات الرسمية على الموظفين الكبار من المسلمين (كما كان يوزع المسيو مارتي مدير المدير العدلية الإسلامية كتاب “حياة المسيح” في مكتبه على موظفي إدارته) وناصر هذه الحملة جميع الموظفين العسكريين والمدنيين، وجميع التجار والمعمرين، حتى أن بمدينة الرباط وحدها ما يزيد عن خمس كنائس عظمى، وحتى أصبح عدد المدارس التبشيرية لا يحصى.
وهنا نعرض على حضراتكم خلاصة ما تحتويه خريطة التبشير في المغرب الأقصى: (نشرت هذه الخريطة مجلة المغرب الكاثوليكي شهر يونيو سنة 1931) فأهم المراكز ذات الكنائس المشتملة على القسس ومساعديهم تبلغ عشرين مركزا، مركزان لكل من مدينة من هذه المدن الكبرى: فاس، رباط الفتح، مكناس، الدار البيضاء، مراكش، ومركز واحد لكل هذه المدن: سلا، الجديدة، أسفي، أكادير، وزان، بودنيب، تازة، كرسيف، ميدلت، تادلا…
والمراكز الرئيسية للأعمال التبشيرية الأهلية تبلغ عشرة مراكز: تقع في الرباط، القنيطرة، فاس، مكناس، وجدة، الجديدة، مراكش، ميدلت، تارودانت، القباب.
وهنالك مراكز أخرى مهمة وفيها كنائس وقسس، تبلغ خمسة عشر مركزا تقع في: القنيطرة، سيدي قاسم، فضالة، سطات، تادلا، الحاجب، بريجة، كرسيف، ميدلت، أزرو، القباب، تارودانت، أكادير، الصويرة، بركان.
وهنالك مراكز في جهات عسكرية تزار ما بين الحين والحين، يبلغ عددها ثمانية تقع في: بوزيد، ميسور، يطّو، جرَّامة، الخنيفرة، تمحديت، أزرو، تامنار.
وهنالك مراكز دورية تبلغ تسعة عشر مركزا تقع في: تيزنيت، آيت باها، بيوقرة، ايجرم، آزمور، بير الجديد، عين السبع، بولحوت، مارشاند، الخميسات، بوفكران، رأس التبودة، برجانت، الرجيح، تافيلالت، برشيد، سيدي يحيى، سيدي سليمان، وادي زم. أما عدد المراكز التي في طريق التكوين، ولا بد أنها تم تكوينها الآن، فيبلغ ثمانية، تقع في بوعرفة، العيون، عين اللوح، سيدي بوقنادل، الصخيرات، عين العودة، بوزنيقة، تازة.
فهذا إحصاء دقيق أيها السادة لحركة التبشير، وجهود فرنسا في سبيل تنصير الشعب المراكشي، ومن هذا الإحصاء ترون أن حركة التبشير، قد احتلت سهول المغرب وجباله، ووديانه ومناطقه الخاضعة والمستقلة، ويجب أن لا تنسوا يا حضرات الأعضاء بأن أكثر هذه التشكيلات وليد سنة أو شهور، فإذا ظلت الجهود مبذولة على هذه النسبة، وأقيم في كل سنة خمس وأربعون كنيسة، وأسس ثمانون مركزا للتبشير، دون أن يقام مسجدا واحدا أمام هذه الكنائس، فلن تمض بضع سينين حتى تحتل “المسيحية” مراكش احتلالا تاما، وحتى تنسلخ هذه الأمة جبرا أو كرها عن العالم الإسلامي فتصبح قطعة قطعة من جسم “المسيحية”، عضوا من أعضاء العائلة الفرنسية.
أيها المسلمون إن الأمة المراكشية لتطالبكم بالنظر، إلى حالتها وتسألكم المعونة على خلاصها، وقد أصبحت اليوم، بعد ما فقدت حريتها السياسية، لا تملك من حريتها الدينية شيئا، إن اليهود المغرب أحرار في ديانتهم ومؤسساتهم وأوقافهم وأن الجاليات الأجنبية في مراكش لتتمتع بحرية لا تجدها في بلادها، أما المسلمون أهالي البلاد وأصحاب الأكثرية الساحقة من سكانها فقد أصبحوا مضطهدين في حريتهم الدينية شر اضطهاد، وإذا ظل الأمر ماشيا في هذا السبيل فإن مأساة الأندلس، سيعاد تمثيلها في مراكش مرة أخرى.
يا أعضاء المؤتمر الإسلامي أعينوا الأمة المغربية العربية ساعدوها على أن تظل قوة الإسلام وردءا للعرب، ارفعوا صوتكم مع أصواتها، واستنكروا هذا العدوان الشنيع على حريتها الدينية، احتجوا على فرنسا لتترك المغاربة أحرارا في عقائدهم. أحرار في التشبث بدينهم أحرارا في التضحية لمبادئ الإسلام.
أيها المسلمون لقد عرفتم “القضية البربرية” وعرفتم أدوارها، وقد احتججتم من أجل عدوان فرنسا، كلٌّ منكم على حدة فأعيدوا هذا الاحتجاج، في صوت أندى من الصوت الأول. الأمة المراكشية تستنجد بكم للحصول على حريتها الدينية، ودفع عدوان السياسة الفرنسية الصليبية، أيها المسلمون اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
“الأمة المراكشية المضطهدة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *