وفي 3 شتنبر وقعت معركة سيدي مومن التي قلبت تخطيط “درود” لكسر شوكة المجاهدين حسب تعليمات وزير الخارجية بضربة قوية، إلا أن المجاهدين علموا بالخطة فقاموا باختراق للقوات مذهل، نتج عنه 10 قتلى بينهم ضابطان وجرح 17 آخرين، وبدأ مسلسل فرار جنود اللفيف الأجنبي من المعسكر وأثناء المعارك، كما استفاد المجاهدون من استعمال الغزاة لمنطاد قصد الاستطلاع عليهم رصدوا من خلاله تقدم الجيوش الغازية مما جعلهم يفتحون لها الطريق ويهاجمونها من الأطراف والمؤخرة، الأمر الذي أدى إلى الاستغناء عنه.
وفي يوم 11 شتنبر هاجم درود تادارت حيث خسر قتيلا و6 جرحى، وابتهاجا بما قام به رفع تقريرا لقيادته بباريز يقول فيه: “يسعدني أن أرفع إلى علمكم بأنني في هذا الصباح وبفضل الضباب والأرض تمكنت من مفاجأة تادارت، لقد أحرقت مخيمات المغاربة وشتت المحلة، إن العدو لم يستطع الصمود وتابعته مدافعنا وكذلك مدفع البارجة La gloire التي قدمت لنا مساعدات فعالة جدا، لم نخسر إلا قتيلا و6 جرحى” ص:301 التدخل الأجنبي الخديمي.
وفي 21 شتنبر كرر نفس العمل حيث فاجأ دوارا آخر بسيدي إبراهيم، وكانت غنيمته كما أوضح “ساباتيي” Sabatier طفلان وبعض الدجاج: “لقد ذهبنا بعدد 4000 من الجنود إلى هذه المحلة معززين بالمدفعية والرشاشات، أما هم فكانوا حقا 1500 وكانوا يقطنون ليس معسكرا للمحاربين بل مخيما للرحل أي سكناهم الاعتيادية، إن وجود الأطفال الصغار والدجاج يشهد على ذلك” ص:302.
أما معركة 19 أكتوبر التي خسر فيها الغزاة 3 قتلى بينهم قبطان و10 جرحى كما قال كونجو Congeaud فقد كانت قاسية.
لقد فرض المجاهدون على الغزاة عدم تجاوز الدار البيضاء وحاصروهم لدرجة أن الجنرال درود “لم يخلع نعليه مدة 17 يوما”، “وانحطت معنويات الجنود، وكان اللفيف والرماة يفرون تقريبا يوميا” ص:306.
جاء في تصريح وزير الخارجية أمام الجمعية العامة الفرنسية المنشور في مجلة افريقيا الفرنسية 1908 تحت عنوان: Les interpellations sur le Maroc a la chambre des députes: في شهر مارس 1907 تم احتلالنا وجدة من أجل ضمان إصلاح الأوضاع المتفجرة داخل المغرب وعلى الحدود الجزائرية، وتتمثل في مقتل الطبيب موشان بمراكش والاعتداءات على الحدود الجزائرية.
وفي شهر أوت الماضي 1907 بعثنا بقواتنا إلى الدار البيضاء للثأر من قتلة مواطنينا الخمسة في الميناء، وضمان أمن وسلامة الأجانب بالمدينة الذين نجوا من هذه الواقعة.
ومنذ أن عاقبنا طغاة بني يزناسن الذين كانوا يغيرون على حدودنا وجعلناهم يفرون حذرين في وقت قياسي، وأنشأنا البوليس لتعقب من عاد لمثل تلك الإساءات.
أأكد أن سياستنا دائما منطقية ومتماسكة على الوجه الأكمل.
نحن تدخلنا عسكريا في نواحي وجدة بشكل عقابي وحيوي سريع من أجل ردع المحاربين بقيادة الجنرال ليوطي بكفاءة عالية، ومعرفة عميقة للبلاد وسكانها بشكل لم يسبق لنا فعله.
ماذا نريد أن نبعث للجنرال درود من تعليمات؟
بعثنا له أن يعمل على تهدئة الوضع في الدار البيضاء ونواحيها ويضمن تموين المدينة حتى يصبح عاديا ويمنع النواحي المجرَّمة من التسلل إلى الداخل. وأعطيناه الإذن في اتخاذ ما يلزم من الإجراءات لضمان الحدود التي تؤمن ذلك على أحسن وجه.
إن النواحي التي حرضت علينا وقتلت مواطنينا تواصل مهاجمتنا وهي تنتمي إلى مجموعة تصل إلى عشرة تكون ما يسمى بالشاوية، وقد لاح من البداية وهو رأي الجنرال كما هو رأي ديبلوماسيينا وقناصلنا أنه لكسرها وتقليل خطرها يكفي تخريب تجماعتها المتواجدة على بعد معين من الدار البيضاء وإبعادها حتى سيدي تادارت وسيدي إبراهيم، وذلك بالإتفاق بين الجنرال درود والمسؤولين الفرنسيين بالمغرب.
ولقد امتثل لتك التعليمات لكن بعد أن قامت الشاوية بمعاودة الهجوم علينا مركزين دائما على حدوده، فكان لابد من منع تلك التجاوزات على أن لا يتعدى قصبة مديونة.
لقد أبلغ رجالنا بأن الثوار في تلك القصبة يقطعون الطرق في منطقة مهمة حول الدار البيضاء ويمنعون تواصلنا مع النواحي الخلفية للبلاد التي تريد العيش معنا في سلام، مانعين في نفس الوقت تزويدنا بالمؤن من داخل مدينة الدار البيضاء.
وبناء عليه طلب من الحكومة إمدادات جديدة للقيام باحتلال القصبة وقد استجابت الحكومة لطلبه الذي هو رأي -يقول الوزير- ديبلوماسيينا وقناصلنا الذين أشاروا بضرورة الإسراع في احتلال القصبة في أقرب وقت ممكن وهي المهمة التي ستوكل للجنرال دماد الذي خلف درود الذي قدم طلب عطلة.. واستجيب له (ص:54-55) وأبدل بالجنرال دماد الذي سيقود معارك 1908 في الشاوية.