سنحاول في هذه الحلقات تقديم تعريف للأماكن التي دارت فيها معارك المقاومين المغاربة في مواجهة جنود الاحتلال منذ أواخر القرن التاسع عشر على تخوم المغرب الشرقي إلى احتلال الدار البيضاء وجهاد الشاوية، وما والاها من قبائل زعير للتذكير بأن المغرب لم يكن لقمة سائغة في أطماع الاحتلال الغربي مما دفعه إلى اختراع مبررات لحربه أبرزها الدفاع عن السلطان ضد الخارجين عنه وحماية البلاد من التدخل الأجنبي.
البحرية الفرنسية تحتل الدار البيضاء وتخربها
في 5 – 7 غشت 1907م
على إثر مقتل الطبيب موشان بمراكش يوم 19 مارس 1907م، انعقد مجلس الوزراء الفرنسي للنظر في الإجراء المناسب، تحت رئاسة رئيس الجمهورية، وقرر وجوب طلب التعويض اللازم عن ذلك الحادث مع تسوية كل المشاكل المتوقفة مع المغرب، كما قرر احتلال وجدة وعدم الجلاء عنها إلا بعد الحصول على جميع التعويضات المطلوبة، وفعلا احتلت وجدة يوم 29 مارس 1907م من طرف مائة خيال قدموا من مغنية بالجزائر حيث دخلوا المدينة بدون قتال مع العلم أن حامية المدينة لم تكن تتجاوز 200 جندي.
وقد قاد الجنود الفرنسيين الجنرال “فيجي” تحت امرأة الجنرال ليوطي، وانضم إلى الجميع الفرنسيون المقيمون بالمدينة، وصرح بعد ذلك وزير الخارجية الفرنسي “بيشون” بأن فرنسا دخلت وجدة لتبقى بها. انظر جريدة لسان المغرب عدد:8-1907.
وفي تلك الأثناء كانت شركة فرنسية تشتغل في مدّ سكة حديدية وإنشاء مرفئ بمدينة الدار البيضاء، وأمام ما جرى من تجاوزات فرنسية سواء في مراكش أو وجدة، طالب جماعة من السكان توقيف أشغال الشركة، إلا أن مطالبهم لم يلتفت إليها، فلم يكن منهم إلا أن توجهوا للأوراش وخربوها، وتحسبا لهجوم بحري تنادى الناس بالجهاد واستقدام أحواز المدينة، فجاءت الإمدادات من الشاوية، وفعلا تم الهجوم عليهم من قبل البارجة “ﯖاليلي” التي جاءت من طنجة حيث بدأت قصف المدينة صباح يوم 5 غشت، مما نتج عنه مذبحة فظيعة، وقد تعززت البارجة بسفن أخرى قدمت من فرنسا تحمل 5000 جندي بقيادة الجنرال “درود”، والأميرال “فيليبر” لينظما إلى الجنرال “منجان”، إلا أن الجميع فوجئ بمقاومة غير متوقعة ليستمر القتال إلى يوم 7 شتنبر حيث حاول المجاهدون اقتحام السفارة الفرنسية، وقد أدى الوضع إلى زيادة القصف على الأحياء حيث تمت مذبحة السور الجديد، بعدها نزل الجنود الفرنسيون إلى المدينة ليقتلوا من بقي حيا.
وقد اندهش الجنرال “درود” من ذلك، فأبرق لرؤسائه بطلب الإمدادات قائلا: “إنهم يتحركون مثلنا بالضبط، إن رميهم أكثر دقة وتصويبا، ولولا أن رجالنا مختبؤون جيدا في الخنادق لكنا فقدنا ضحايا عديدة”.
أما الأميرال “فيليبر” فتساءل قائلا: “كيف تقع هذه الهجمات الجنوبية بعد الدروس القاسية التي لقناها للمغاربة من قبل؟”.
وهكذا بقيت القوات الغازية محاصرة في خرائب المدينة، محاصرة من كل الجهات مما جعل كثيرا من جنود اللفيف الأجنبي يفرون منها، وخاصة الجزائريين والتونسيين والألمان، وفي ذلك يقول شاعرهم عبد الهادي بناني:
طاح ميمون الكفر كبار وصغار *** صادف لمحان والفَتَان والخسارا
كم من كافر للرباط دخل عريان *** هذي هَانَا وليس تَشْبهَهَا هانا
فرُّوا وتفرقوا على جميع البلدان *** ارْهُوط كثار جات منهم عريانا
وقد أدت الوضعية المخزنية للقوات الغازية إلى تحميل الجنرال “درود” مسؤولية الفشل، فعزل وعيّن مكانه الجنرال “دماد” الذي أمر بشن هجمات قوية ضد قبائل الشاوية لدفعها إلى الاستسلام تحت ضغط تفوق الأسلحة..
يتبع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر علال الخديمي “مقاومة الشاوية للاحتلال الفرنسي” في موسوعة الحركة الوطنية ص:103-104.
مصطفى العلوي “مولاي حفيظ سلطان الجهاد” ص:114.