في صحبة القوات الفرنسية إلى فاس (2) الأستاذ إدريس كرم

جاء في كتاب:
La Conquête du Maroc 1911-1913: Colonel Sainte-Chapelle
“كثير من الجنود المغاربة لم تصرف لهم مرتباتهم ففروا، بل حتى الأوفياء للمخزن باعوا للثوار سلاحهم وذخيرتهم، وهي الاضطرابات التي أرغمت فرنسا على استقدام 30000 رجل لاحتلال الشاوية، وتكوين فرقة نشيطة على الحدود الوهرانية مكونة من 12000 جندي، تعرضت كل تلك القوات لما يلي:
14 يناير، القبطان «نانسي» من مصلحة الشؤون الأهلية، مشهور عند الشاوية، طلب من شريف مغشوش للتحكيم بين جماعة بربرية وأخرى من «ازعير»، فذهب إلى هنالك مرفوقا بـ25 كومي، إلا أنه سقط في كمين لـ«ازعير» قتل فيه معه ستة من الكوم وجرح منهم عشرة آخرون، وقد تعرف على بعض المهاجمين من إخوان الشريف.
في 15 مارس 1911، أعلنت الحكومة الفرنسية أن مولاي حفيظ كلفها بمعاقبة «ازعير» على فعلتها، وأنها قبلت المهمة دون أن تحدد لها زمنا، واشترط عليها ألا تتجاوز قواتها حدود الشاوية، وقد انتهزت «ازعير» فرصة الشهرين الفاصلة لتحرك القوات ضدها، فتجهزت بالسلاح والذخيرة والخيل لمواجهة العمليات الفرنسية، لذلك رفض الجنرال «موانيي» أن يباشر عملية المعاقبة بواسطة البوليس، مطالبا الحكومة الفرنسية بإرسال قوات متحركة للمغرب تكون كافية لتحقيق الغرض المطلوب.
ومن المعلوم أن القاعدة في البلاد العربية أنه إذا ما تم هجوم وترك دون رد فإن الثوار يزدادون اقترابا من هدفهم شيئا فشيئا، كما أنه منذ الأيام الأولى من مارس 1911، بدأت «ازعير» وجيرانهم «زمور» يشتمون مراكزنا بالشاوية (يمتدون على طول المحيط مسافة 300 كلم، يضمون حوالي 300000 نسمة، يحميهم 5000 رجل من القوات الفرنسية)، وفي ثكنة الدار البيضاء يوجد 1200 عسكري يستولون على خيولهم وماشيتهم بالقوة في كل من «بوشون» (الكارة) وبوزنيقة.
وفي جنوب غرب فاس بايعت «بنو امطير» و«زمور» و«كروان» مولاي حفيظ، ثم ثاروا عليه مثل ما فعلت قبائل السهل «بني احسن» و«اشراردة»، القوات المغربية المؤطرة من قبل البعثة العسكرية الفرنسية بقيادة «منجان»، وصل تعداد عناصرها 2830 رجلا، وقد وجه السلطان محلتين للمناطق الثائرة عليه، تضم حوالي 1500 جندي، واحدة إلى شمال العاصمة بقيادة الكومندان «بريموند»، والأخرى إلى جنوب فاس عادت منهزمة إليها، حيث كانت الأوضاع بها مضطربة، بحيث كانت الأغلبية مع الثوار، كما أن المخزن صار عاجزا عن توفير النقود لأداء مرتبات الجنود
في 26 مارس 1911، عسكر «بريموند» الذي انتصر على «اشراردة»، قرب جبل «سلفات»، وبقي هناك من أجل إعادة القبائل المجاورة للطاعة.
وفي 20 مارس، علم قنصل فرنسا بأن فاس أصبحت محاصرة، ومنع عليها التموين والذخيرة، فطلب من حركة الشاوية التوجه إلى الرباط، ثم منها إلى الغرب، لتأديب الثائرين، ممولة من طرف دكالة و«بني مسكين»، الحكومة الفرنسية أصدرت تعليماتها للجنرال «موانيي»، بالتحرك حسب رغبته بعدما أمرت في 17 أبريل 1911 بتعزيزه بقوات متحركة على وجه السرعة، غادرت مارسيليا نحو الدار البيضاء يوم 23 أبريل 1911، مكونة من فرقتين للمدفعية، كما تم إخبار مجلس الوزراء بالأمر الصادر إلى الجنرال «موانيي»، بتكوين كولون إنقاذ من أجل رفع الحصار عن فاس، وحتى لا يتأخر رد الحكومة عنه، فقد تم إشعاره بأن حركته ستكون محل تقدير، وأن انتقال القوات للدار البيضاء سيتوالى يوميا إلى غاية 15 ماي، مع مراعات صعوبات النزول والتوزيع التكتيكي لها، وتأخر الآليات المحمولة على البواخر المؤجرة، وسيكون الإنزال في موانئ الدار البيضاء وسلا والرباط ومهدية (ص. 10)؛ وقد أدت تلك الصعوبات إلى تأخير التوجه نحو فاس من 29 أبريل إلى 11 ماي.
كولون «بريلارد» عسكر يوم 12 ماي، في «لالة يطو» على بعد 50 كلم من القنيطرة، وغادرها يوم 16 منه، حيث كان على «واد ارضم» يوم 17، ويوم 18 كان في «الحجرة الواقفة»، يوم 19 وصل إلى «عزيب الوزاني»، يوم 20 كان في «انزالت لوديي»، يوم 21 وصل فاس، وكان قد التقى في القنيطرة بمحلة «تكونت» في الشاوية بقوة مكونة من 800 من المشاة و200 فارس، هذه الأخيرة تبعد عن فاس طيران الطير 165 كلم، لكن يوم 5 ماي، هوجمنا من قبل جماعة من المغاربة، بحيث قطعت عنا الاتصال بين الرباط والقنيطرة في الطريق المارة بغابة معمورة (ص. 12).
يوم 5 ماي، تم الاستيلاء على قافلة من الجمال مكونة من 12 جملا، وقد دخل قائدها الأهلي للقنيطرة عريانا، نفس اليوم محملة بالشعير والذهب مكونة من 21 جملا، بقيادة ليوطنا «فلا»، واصطدم بكمين فجرح ولم يأخذوا منه إلا بعض البغال، وجرح 7 وقتل 3 فرسان.
يوم 6 ماي، قافلة ثقيلة هوجمت في نفس النقطة فقتل قائدها، لكن ثلاثة سرايا للمشاة وصلت لعين المكان لمعاقبة المغاربة وملاحقتهم داخل الغابة، فقتلت منهم حوالي 20 (ص. 11).
وفي 7 ماي، رد معسكر القنيطرة هجوما قويا للمغاربة عليه، وعلى محلة الشاوية التي كان يقودها ضابطان من البعثة العسكرية هما ليوطنا «هاريس» وليوطنا «بريو»، والقائد العيادي الذي قتل في الهجوم مع عدد من كوم الشاوية، وقد ترك المهاجمون حوالي 12 جثة في المعركة، بعد ذلك بقليل تم رصد فرقة من المغاربة بين أشجار معمورة، فأطلقت عليها بعض القنابل جعلتها تختفي، وفي نفس ذلك اليوم تم قطع القناة المزودة لسلا بالماء.
يوم 11 ماي، تم مهاجمة قافلة بـ«سيدي عياش» شمال القنيطرة، قتل بها 3 جنود و2 من الأهالي، كما تم بنفس الطريق هجوم آخر يوم 13 ماي، ترك 3 جرحى، وهو اليوم الذي التحق فيه كولون «كوران» بكولون «بريلارد» في «لالة يطو»، بعدما كان الأول قد تعرض لهجوم يوم 11 ماي دون أن يتسبب له في التوقف.
يوم 15 ماي، أصبح الجنرال «دالبيز» يترأس معسكر القنيطرة، حيث يوجد 1500 رجل لتأمين المواصلات مع كولون الاحتياط بقيادة الجنرال «ديت» قائد الرباط، بما يوازي ذلك العدد الذي بالقنيطرة، يوم 14 و15 و16 ماي، وقع هجوم قوي على معسكر «لالة يطو» الذي كان يحمي الأشغال المقامة في البادية، ونزح السكان عن أماكن وجودهم، ليتجمعوا شرقا كما قال العارفون.
يوم 14 قبل طلوع الشمس، قام الأعداء في الظلام بمهاجمة المعسكر، وبعده أي في الساعة الخامسة وقع هجوم ثان بعد صد الأول الذي لم يحقق نجاحا، أسفر عن مقتل جندي مشاة، وبقيت المدفعية تقصف المهاجمين لاصطياد المغاربة المختفين في حقول الشعير المتقدمين نحونا زحفا إلى مسافة 400م للقيام بهجمات قنصنا عن قرب.
في الغد أخبرنا بأن هناك معسكرا للأعداء يضم مئات الخيام على بعد 10 كلم، فتم إرسال مفرزة لمباغتتهم على الساعة الثالثة والنصف صباحا، البطاريات صدت المدافعين وغزوهم، وقد سقط لنا 4 جرحى بينهم ضابط، يوم 16 استأنف كولون «بريلارد» سيره نحو فاس، مكونا من 8 كتائب، و4 سرايا، و4 بطاريات متبوعة بقافلة مكونة من 6 مجموعات، تضم 400 جمل يتيح تموين فاس، كولون «كورو» بقي في «لالة يطو» لتأمين مواصلات الجنرالين «موانيي» و«دالبيز»، كوم الشاوية بقيادة الكومندان «سيمون» التحقوا بكولون «بريلارد» يوم 17 ماي، في جوار «واد ارضم»، وفي 18 ماي التقت فرقة أخرى من الكوم بالكولون السالف ذكره في «الحجرة الواقفة» لمرافقته.
تواصلت الهجمات على طول خط الرباط-القنيطرة-«لالة يطو»، ففي يوم 19ماي، متمردو «احمر» و«زمور» و«بني احسن»، أرادوا مباغتة معسكر القنيطرة فسحقتهم نيران مدفعيتنا، وتابعناهم بهجوم مضاد، حيث قتل فيه ضابط وجرح جنديان ومات أهلي، وفي 22 ماي بـ«سيدي كدار» بين «واد ارضم» و«الحجرة الواقفة»، هوجمت قافلة تموين مكونة من 1500 جمل مخفورة من طرف كولون «كورو»، متوجهة إلى فاس، فتم رد الهجوم حيث ترك المهاجمون 150 فارسا قتيلا في الميدان، وخسرنا ضابط صف من المشاة، و3 جنود أوربيين، وجزائري، و20 جريحا.
في 23 ماي، عاد الجنرال «ديت» من القنيطرة إلى سلا، مخفورا بالسرية الثالثة من القناصة الأفارقة، فتعرض لهجوم عند «دار بالعروسي» على بعد 8 كلم من سلا، من جيش «ازعير» و«زمور» الذين أرادوا تطويقه، وقد فقدنا في المعركة ضابطا و4 جرحى” ص. 14.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *