من المعلوم أن مقتل الدكتور بيشون كان سبب احتلال وجدة، وأن مقتل عمال ميناء الدار البيضاء كان سبب قنبلة الدار البيضاء واحتلال الشاوية، لكن الذي ليس معلوما هو مقتل عملاء آخرين، كانوا يكونون طلائع احتلال الساقية الحمراء وواد الذهب وبلاد شنقيط، وقد أثبت الكتاب الأصفر الذي أصدرته فرنسا حركة مناهضة التطلع الاستعماري للمنطقة من خلال رسائل تبودلت بين بعض المراكز العسكرية المتقدمة جنوب غرب الجزائر والمفوضية الفرنسية بطنجة، أو وزارة المستعمرات بين سنتي 1906/1907، والتي أبرزت دور المولى عبد العزيز في تعزيز مكانة القبائل هناك بالسلاح والرجال والقادة ورموز السيادة، وفيما يلي بعض تلك الرسائل كما نقلتها مجلة إفريقيا الفرنسية سنة 1909/ص99 وما بعدها، تحت عنوان: “مورطانيا والمغرب” (والتي ضمنها صاحب كتاب “صاحب الجأش الرّبيط” للشيخ محمد الإمام ابن الشيخ ماء العينين، تأليف الأستاذ ماء العينين، حيث أشار إلى أنها جاءت في ملف قدّم إلى وزير المستعمرات الفرنسية، يتعلق بموريطانيا بتاريخ 2 مارس 1956م (ص:21)).
* وقد قمنا بترجمة هذا النص قبل عثورنا على ما في الكتاب السالف، منوهين إلى أن ترجمتنا حرصت على إبقاء النعوت القدحية، والتوصيفات المسيئة للمغرب والمغاربة دون تعديل.
1- الرسالة الأولى:
في 13 يناير 1906م بعث رُوم العامل العام إلى وزير المستعمرات الفرنسية الرسالة التالية:
“لي الشرف أن أبعث إليكم صحبته تقريرا مؤرخا بـ 14 نونبر 1905 للمسئول عن عمالة مورطانيا في موضوع الشيخ ماء العنين والمناورات الإسلامية في إفريقيا الفرنسية، تقرير شامل وصلني مؤخرا يلخص بجلاء المناورات العدوانية المباشرة ضد سلطاتنا التي أشرت سابقا إلى تواصلها وتفاقمها في ناحية الساقية الحمراء والتي تسير من طرف الشيخ ماء العنين باسم سلطات المغرب.
وأثير انتباهكم أيضا إلى المعلومات المتجمعة حول موضوع مقتل السيد كوبولاني Coppolani، خلصت إلى أن تلك الحادثة، التي نسبت إلى متعصب منفرد تكشف الآن، وأصبحت على العكس من تدبير فرقة مسلمة جديدة خرجت عن أمر القادرية، التي هي فصيلة من الغضفية المؤتمرة بأمر الشيخ ماء العينين.
لقد سبق إخباركم لي بأن وزير الشؤون الخارجية، طلب من ممثلنا إبلاغ الحكومة الشريفة، بالكيفية الملائمة لشكوانا من مواقف الأعوان المغاربة في منطقة واد نون.
أنا أجهل ما إذا كانت الأوضاع السياسية الحاضرة تسمح بتغيير وضعنا في اتجاه تدخل أكثر حيوية، لكن أرى أن ذلك أقل ما يمكن تجاه مفوضيتنا، كما هو الأمر بالنسبة لقنصليتنا بالصويرة (موكادور)، في بحث ومراجعة المعطيات المتواصلة في التقارير الملحقة المتعلقة خاصة بدور ماء العينين.
سيصبح أيضا من المرغوب فيه، من فئة باحثة عن تفرع فرقة الغضفية بالمغرب، ومن ناحية أخرى معرفة كيف يتم بعث الأسلحة والذخيرة إلى أدرار”.
2- الرسالة الأولى:
سان لوي في 14-11-1905م.
“لي الشرف أن أطلعكم عن رسالة توصلت بها، صادرة عن ابن الشيخ ماء العينين من الساقية الحمراء والتي أبعثها لك صحبة الترجمة.
في تلك الرسالة المكتوبة بأمر واسم هذا الولي المؤثر، يقول المسلمون سواء أولاد غيدا، وسلطان أدرار، أهل سيدي محمود، أهل سويد احمت مشدوف، سبق أن بعثوا له ممثلين من أجل أن يلتمسوا من سلطان المغرب، التدخل لصالحهم ضد المسيحيين الذين يريدون الاستيلاء على بلادهم.
هذا الالتماس بعث به إلى فاس، حيث أمر المخزن بمنع المسيحيين بالمغرب (مفوضيتنا بدون شك)، رغم الحجة المعطاة لهؤلاء، إذا ما عرفوا أن البلاد المتحدث عنها هي من حق أول محتل ادعى وضع اليد عليها وحيازتها فيما مضى وانتمت إليه.
وعليه التصريح بتلك العلاقة التي تقيم الدليل على ذلك في مدة سنة.
وفيما إذا تشبث المسيحيون باحتلالهم، ستعلن الحرب المقدسة (الجهاد)، وسيعتبر كعدو كل من لم يقطع علاقته مع الكفار.
لقد اندهشنا حقا من حجة الادعاء الصادرة عن حاشية فاس، التي تركت لحد الآن التضارب الناشئ بمورطانيا في منتهى الإهمال، من حيث العلاقات والمساعدات دون اكتراث بالنهب الدائم الذي تعاني منه منذ أمد طويل، وهذا لا ينسجم مع الاهتمام الكبير بتصريحات ماء العينين التي ظهرت كمكون لمسعى تخويف عُني به خصوصا المتعلق بمصالحنا من أحد المشايعين، دون أن نضيف بشكل من الأشكال ما يؤمن به المخزن من مطالب حقوقية مفترضة في مورطانيا لحد الآن.
لذلك لا يمكننا أن نتوقف عن التأكيد بأنه منذ أمد قريب لوحظت حركة معارضة لتوغلنا، تخطط بوضوح لمقاومتنا، والتي ستصبح شيئا فشيئا ممارسة ونشيطة ضدنا.
وحسب معلومات من مصادر عائلية للشيخ تبودلت بينهم، فإن العمل بدأ من محل نشأته وأرومته، وسيتصاعد إلى النواحي الخاضعة للسلطة، وإن ذلك الفصل في مجمله موحى به، حسب تلك المصادر من جهات لم يذكرها.
في هذه الأوضاع تمت جريمة قتل السيد كوبولاني Coppolani بتدجيكجا tidjikja.
حيث قدمت بشكل لم نكن نعتبره كفعل تفكير متعصب، لكن ما كنا نعتقده لحد الآن عمل معزول لمتدين متحمس، أصبحت علينا اليوم إسناده إلى عقلية أكثر اتساعا.
الأبحاث التي أجريناها في هذا الموضوع، أوصلتنا بلا منازع إلى الذي قتل رئيس بعثة طاكانت أدرار tagabt-adrar، الشريف سيدي ولد مولاي الزين أحد المتحمسين التابعين للطريقة الغضفية، هذه الطريقة المنشقة عن القادرية، والتي ظهرت مؤخرا بقيادة تابع للشيخ الكبير محمد الفضيل أبو الشيخ ماء العينين والشيخ سعد بو. ومنشئها يسمى الشيخ سيدي محمد الغضفي يسكن بـ “اودجيفت”، وتلاميذه يمتازون بأعمال وتطبيقات حماسية كبيرة.
أمام أنظار المغاربة maurs ذهب كوبولاني ليجسد الغزو العنصري المسيحي داخل المجال الإسلامي، مما يستوجب إذن إزالته لإيقاف السياسة الجديدة، التي كان يعتبر قائدها الشجاع.
إن الشيخ ماء العينين خصم عنيد ضد دخولنا إلى أدرار، وهو يمتلك سلطة وتأثيرا داخل الطريقة الغضفية، التي أغرت من قتل المأسوف عليه ممثل فرنسا في عملية شرسة بتدجيكجا، كما أن شيخ الساقية الحمراء الكبير، بعث في الأيام الأخيرة كما قلت في مطلع رسالتي نداء التهديد بالثورة في بعض النواحي التي سبق أن قبلت الدخول تحت سلطتنا والاندراج تحت حكمنا بفضل مساعدة ودعم الحكومة المغربية التي زودته بالسلاح السريع الطلقات والذخائر لمقاتلي أدرار، بل أعطتهم ما سبق أن تخلت عنه لنا.
مونطاني كابدرو .montane capderas