الناظر العدل مسعود الشامي

كان لولاة الأمر اهتمام كبير في تولية الولاة والقضاة والمحتسبين والنظار ومن يقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن حرصهم على تولية من له الأهلية الشرعية كانوا يستشيرون أهل العلم وورثة الأنبياء الذين يعلمون أحوال الشرع وأحوال الناس، ومن جميل ما ذكر في ذلك من تاريخنا المغربي بل ومن تاريخ الدولة العلوية ما نقل عن السلطان الرشيد رحمه الله، ففي كتاب “الحسبة” الذي صنف بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله:

“ولنمعن النظر أيضا في عمل المولى الرشيد العلوي المؤسس الثاني للأسرة العلوية الشريفة عندما افتتح مدينة فاس، وبايعه أهلها في ذي الحجة عام 1076هـ فقد كان من جملة عمله: أنه سأل عن أفضل علماء فاس وأسنِّهم، فلما أخبر بعبد الرحمن ابن القاضي، لم يترفع عن النزول إليه والاتصال به في أقرب محل من بيته بعد أن وصله اعتذاره من القدوم إليه لكبر سنه، فأمر بفتح نقب بحائط عرصة مصمودة، وهو المسمى الآن (درب الدروج) دخل منه السلطان، وبعد أن اجتمع بالشيخ والتمس منه صالح الدعاء، قال له:
“أتيتك لأستشيرك فيمن أوليه بفاس، من حاكم، وقاض ومتحسب، وناظر”، فقال له الشيخ: “أما الحاكم فلا أتقلده، والقاضي حمدون المزوار، والمحتسب عبد العزيز الفركلي الفلالي، والناظر العدل مسعود الشامي”.
فنفذ المولى الرشيد رحمه الله ما أشار به عليه الشيخ، إلا أن الشامي امتنع من النظارة، فحبسه سبعة أشهر لإرغامه على قبول ما أسند إليه تنفيذا لقول الشيخ، وبقي مسجونا إلى أن أجاب على شرط أن لا يتعرض له أحد من القضاة أو الولاة في الخطة التي يريد نهجها لاستخلاص أحباس المسلمين من أيدي الغاصبين، وفعلا استطاع هذا الرجل أن يرجع إلى الأحباس الشيء الكثير مما استولى عليه الناس” (كتاب الحسبة، ص:31).
وتعليقا على هذه الواقعة جاء في الكتاب نفسه: “وهكذا يتجلى مبلغ اعتناء ملوك المغرب الأوفياء بالعلم وأهله، واتخاذهم شيوخه محل المشورة في أمور الأمة، ولا أعظم من استشارتهم في الولاة، وخصوصا فيهم المكلفين بالسهر على تطبيق التعاليم الإسلامية: أصحاب الخطط الشرعية.
وقد عزز السلطان المولى الرشيد رحمه الله هذه التوليات بإعطاء أوامره العامة لجميع الولاة باستئصال شأفة قطاع الطرق، وإقامة الحدود على الزناة، وشاربي الخمر، إظهارا منه رحمه الله لإحياء السنة، ونشر ألوية العدل، فحل بذلك من قلوب الناس المكان الأرفع، وتمكنت محبته من قلوب الخاصة والعامة” (كتاب الحسبة ص:32).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *