محمد بن عبد السلام السائح الرباطي قاضي مقصورة الرصيف بفاس ولد في الثاني عشر من ربيع الثاني عام 1310هـ بالرباط.
شيوخه:
فكان أول أستاذ تتلمذ عليه هو محمد ابن أحمد العياشي، وبعده محمد بن عبد السلام الرندي، والمفتي الجيلالي بن إبراهيم، والفقه المشارك عبد الرحمن بن ناصر بريطل، والأديب الأريب أحمد بن قاسم جسوس، والفقيه أحمد ابن إبراهيم الجريري، والمربي الكبير المقرئ المهدي منجنوش، والفلكي الشهير محمد بن محمد العلمي، وشيخ جماعة المكي البطاوري أبو حامد، وحافظ المغرب السلفي الشهير الأكبر أبو شعيب بن عبد الرحمن الدكالي، فلقد لازمه المترجم رحمه الله مدة سنين، فـعجب بمجالسه العلمية، واغتبط بالحضور فيها أكبر اغتباط، فعبر عن نتف منها في ترجمة حياته بقوله: “وقد حضرت عليه صحيح مسلم، ودرست عليه مقدمته، ورأيت من أماليه عليها وقوة ملكته في إجادة شرحها ما يعز مناله، وكان الشيخ لا يهتم بمناقضات الشروح ولا بمناقشات الحواشي، ولا يرى بذلك قيمة”.
المجيزون له:
أما المجيزون له في الأخذ عنهم من علماء المغرب وغيره فهم عدد كبير أسهب الكلام عنهم وما أجازوا له من مرويات في الفهرسة” الاتصال بالرجال”، منهم القاضي والمفتي المشارك العدل الصدوق أحمد بن محمد البناني الرباطي، والمتمكن الأصولي الفرضي المفتي الكبير علامة فاس أحمد بن محمد بن أحمد الخياط..
سلفيته:
قال المختار السوسي رحمه الله: جلساته المفيدة المعيدة -بأقوالها ذات الطابع الإصلاحي السلفي- ذكريات خالدة عن أيام التلمذة عليه والأخذ عنه علما وأدبا وحكمة وفلسفة: كنا نتملى بما كان يلقيه علينا وهو في “زهرة العمر” بلسان عذب المنطق طلق البيان يحتل الألباب قبل الاستيعاب.
مصطفى الغربي: “ومن مقاصد المترجم الكريم الطيبة ذات الأبعاد الإصلاحية في تربية شباب قوي بروحه الإسلامية السلفية، متين العقيدة الخالية من شوائب الرجعية ورواسب الجمود المتحجر -إقحامه التفاتات استطرادية ذات الأهمية في هذا الكتاب المدرسي- أعطت نموذجا حيا عن نهجه في التعليم الذي يغزو العقول بالصالح من القول لتنقية معاقلها من أدران المناقشات اللفظية والاحتمالات الوهمية”.
وفي رده على رأي الرازي في اعتقاده أن الطريقة المثلى في الدعوة إلى الحق هي طريق المنطق. قال عليه رحمة الله: “ونحن إذا فكرنا في هذا الموضوع بصفاء فكر وإخلاص وجهة ندرك جليا أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم المعتمدة على براهين القرآن، تناجي الفطرة وتتصل بالقلب اتصالا مباشرا لقيامها على التنبيه على آيات الله في الأنفس والآفاق: أما الجدل المنطقي فلا يكاد يقوى على إدراكه إلا من راض بالنظر. وليس كل الناس بمتأهل لذلك، وإنما كان في عصور قد خلت كان ذلك مقتضى الحال فيها لمقابلة الخصم بالمثل. وقد هلك كثير من تلك الطوائف في الدهر الغابر فليس اليوم لإحياء تلك الخصوم من داع، على أنه قد أنكره في تلك العصور نفسها كثير من السلف لما فيه من تحويل في العقيدة الإسلامية البسيطة السهلة إلى عقيدة نظرية معقدة”.
وقال في الرد على الرازي في محاولته الجمع بين الدين والفلسفة: “أما نظري في هاته المحاولة فهو أنها من الأعمال العقيمة، فإن ما كان ثابتا ثبوتا يقينا لا يمكن أن يتصادم مع الدين بحال. وما كان من خير الآراء والظنون التي قد تطفو اليوم وترسب الغد. فالقرءان أعلى منه مثالا، فلا معنى لهذه المقارنة، ولاسيما ووجهة الدين غير وجهة الفلسفة، فهذه مسألة الأفلاك، وما ارتأى اليونانيون في حقائقها. وإثبات النفوس لها أصبح ذلك من الأوهام والخيالات في نظر العلم الصحيح، على أن جملة معارفهم أصبحت اليوم كهباء منثور في زوايا العلم. وألاحظ بخصوص على “رسائل إخوان الصفاء” فقد اشتملت على فلسفة فيتاغورس التي هي أرك المذاهب الفلسفية وأرذلها. وربما اشتملت على ما هو كفر مع تزيينه والاحتجاج له”.
قال رحمه في كلمة ألقاها بين يدي ملك الحجاز ابن السعود: “..لقد كان عهد المولى سليمان من أعظم السنن مظهرا لتلك الصلات حيث اندفع صدى عقيدتكم الإصلاحية إلى المغرب فقام للدعوة إليها بنشراته، وعلى أعواد المنابر وإن سيدنا أمير المومنين أعلى الله علاه ليقتفي أثر أسلافه الكرام في تمتين هذه الروابط وتغذية تلك الوشائج، والدعوة إلى أصول الدين المتينة، والعقائد السلفية الصحيحة..”
ما زال في ترجمة الشيخ بقية نرجؤها إلى العدد القادم إن شاء الله.