سبقت الإشارة إلى أسباب توتر العلاقة بين وزير الشؤون الخارجية محمد بركاش ووزير إيطاليا المفوض حول قضية محتسب طنجة، ونشرنا نص جواب يستنكر فيه السلطان -بلطف- موافقة محمد بركاش على عزل هذا المحتسب.
أجاب محمد بركاش عن الرسالة السلطانية برسالة ينفي فيها عن نفسه كل تساهل فيما وقع بينه وبين وزير إيطاليا المفوض، ويطلب من السلطان تعيين من يتكلف بتسوية الخلاف القائم، فأجاب السلطان وزيره في الشؤون الخارجية بالرسالة التالية وهي مؤرخة بيوم 4 ذي القعدة عام 1297هـ (الجمعة 8 أكتوبر سنة 1880م)، أصلها محفوظ في مديرية الوثائق الملكية (سجل 32.983-مَحْفظتا طنجة وإيطاليا)، وهذا نص الجواب السلطاني وصورته:
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
(الطابع السلطاني الصغير بداخله)
(الحسن بن محمد الله وليه ومولاة)
خديمنا الأرضي الطالب محمد بركاش
وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته
وبعد وصل كتابك جوابا عما أجبناك به عن قضية محتسب طنجة مع باشادور الطليان، وذكرت أنه لا يمكنك نقض ما جعلته معه كتابة، وإن لم يقتض نظرنا الشريف قبوله نوجه من قبلنا من ينقضه ويفاصل قضايا الطليان، وأنك كنت طلبت مثل هذا من سيدنا الوالد قدسه الله حين وقع لك شنآن مع النجليز والصبنيول، فوجه العاجي وفاصل القضيتين، وعلمنا ما ذكرته من أنك ما أجبت عن القضية المذكورة حتى تفاوضت مع باشدور إسبانيا لكونه ممن تومن إشارته، وأطلعت على ذلك نائب النجليز، فاستحسنه لكون الطلب المشار إليه جار على مقتضى الشرط الثالث من شروط إسبانيا والنجليز، والمحتسب صدر منه تنقيص بالقول في الباشدور، ولا يقع خرق ولا ازدراء بالولاة بإعطاء الحق في القضية، ولو كان يقع ذلك بإعطائه لقيل وقع لإسبانيا بإعطائهم الحق بعزل حاكمي مليلية وسبتة، وأنك لا تتخلق بأخلاقهم أو تتبع أغراضهم إلا إذا لم تجد سبيلا ويعظم الأمر لأنك لا تريد أن تكون على يدك فتنة، ولو أن تقيها بنفسك، وصار ذلك بالبال.
فأما توجيه من يفاصل قضايا الطليان، فالكفاية في الله ثم فيك، فمثلك لا يعدل عنه إلى غيره، أعانك الله ويسر للمسلمين على يدك مل الخير، ودفع عنهم كل ضير، نعم نريدك أن تجرد لنا قضايا الطليان المذكورة عن آخرها في تقييد، وتوجهه لحضرتنا العالية بالله.
وأما ما ذكرته من أنك لا تتخلق بأخلاقهم..إلخ، فإنا لا نظن بك إلا الخير والتخلق بأخلاق الشريعة والسنة النبوية والسعي في صلاح الدين قلبا وقالبا، وحتى إن رددنا عليك في شيء، فإنما هو بحسب ما يظهر لنا، ومرادنا بذلك التوسعة عليك والتليين. وإلا فليس من رأى كمن سمع، فكن تراجع وتكرر المراجعة، فإن تكرارها منتج للمصلحة والخير.
وأما كونك لا تريد أن تكون على يدك فتنة فهو كذلك بحول الله، وما ذلك على الله بعزيز.
وأما المحتسب فسنجيبك عنه بما يشرح الله الصدر إليه والله غالب على أمره، والسلام.
في 4 ذي القعدة الحرام عام 1297.