المجاهدون يحاصرون الغزاة

يقول روني لوكليرك في مراسلة له من طنجة مؤرخة بـ 09/01/1908م:

“في غضون شهر دجنبر (1907م) بقي منسوب حملة احتلالنا بعد التدخل القاسي دون تغير، المعسكر دائما يقظ مترصد ومستعد، كل مساء حراسة منتظمة في مراكزه المتقدمة لمراقبة المجال الذي يحيط به، لكن يلوح ما يفت من عزم الضباط والجنود، ويعرقل سير العمل ويقظته.
وقد أدت هذه الوضعية المحبطة إلى هروب أربعة جنود من اللفيف الأجنبي وصبايحي أهلي (اسم فصيل من الجند)، مما كوّن غيضا وحنقا في الثكنة على ما جرى وسبّب منع الخروج إلى المدينة مساء من الساعة الخامسة إلى التاسعة صباحا، كما أصبح معه تهريب السلاح عند فراغه من كل المواقع أمرا تقليديا نحو ضباط الصف المحليين ممن لهم دور في المحلة الحفيظية بقيادة ابن مولاي رشيد.
أما جولات فرقنا العسكرية القصيرة فصارت غير فعالة، وكذلك إنجازاتها، والدوريات لا تساهم في الأعباء اليومية، وأكثر المنشقين والنهاب والفرسان الحفيظيين صاروا أكثر جرأة ووقاحة.
في قضية مديونة بضع مئات من الفرسان وعساكر ابن مولاي رشيد استولوا على ثكنة، في حين أن 150 فارسا ضموا هذه الضيعة جاعلين من البلد قطعا مشتتة.
هذا التشتت والتبعثر حول الدار البيضاء انتقل إلى مرشيش وتيطمليل وتادارت، وهدّد جميع العربات القادمة إلى المدينة وأرغمها في أكثر الأحيان على العودة من حيث أتت رغم فقر المحلة وضائقتها الشديدة وحاجتها إلى العتاد.

حصار الدار البيضاء ومنع الإمدادات عنها
ابن مولاي رشيد يتجاسر على هزم البغدادي وتحريك قواتنا ليواصل نسقه السياسي القاضي بعزل الدار البيضاء وتحويلها شيئا فشيئا إلى مركز لحامية جاهلة بالأقاليم المجاورة التي كانت من أحسن الأماكن فلاحة وأخصبها، فأصبحت خالية من السكان ولا يبدأ العمران والفلاحة إلى بعد 40 كلم، حيث مديونة وأولاد حريز وأولاد زيان حيث تمارس الأشغال الفلاحية والنشاط الرعوي على مستوى الدواوير.
المواجهات مع الأسف تتكرر وتقترب من الدار البيضاء مقارنة مع شهر دجنبر (1907م) حيث أصيب ضباط كانوا يتجولون راجلين على بضع مئات الأمتار من المدينة، فاختفوا بين الصخور حتى لا يؤسروا من النهاب المغاربة.
وأخيرا يوم 24 دجنبر (1907) اجتمع لقاء قرب تادارت، ولوحظ حركة لحوالي 1500 فارس تحاول تحضير الاشتباك لقتالنا ثم تتراجع ثم ترفض الاشتباك، فكأنها واقعة تحت أوامر صارمة تنصاع لتنفيذها في عناد، ولغرابة ذلك أصبح الوضع بالنسبة لنا خطيرا ولزم طلب توضيح ما إذا كنا قد أصبحنا محاصرين أم لا في المعسكر كما وقع في الأيام الأولى.

في انتظار تعليمات مهاجمة مديونة واقتحامها
وفي الوقت الذي كنا نتابع هذا الحادث بترقب ظهر خبر طلب الجنرال درود إجازة وتعيين الجنرال دماد خلفا له في قيادة الوحدات تعزز الـ5000 الموجودة في مديونة، حيث أكبر تجمع ينتظر التحرك.
التوجيهات الصادرة من الجهات الرسمية أو التعليمات الخاصة المنبنية على العلاقة بين الحكومة والجنرال درود كانت غامضة وبالأخص جد متناقضة تسمح لأي كان أن يعطي هنا في هذا الموضوع إيضاحا صائبا أو محتملا.
ما طبيعة ذكرى لحظة انتظار الإمداد بـ3000 رجل والجنرال دماد لتعزيز قدرتنا بالدار البيضاء من أجل القيام على أحسن وجه باقتحام مديونة، الذي جمع له حشد هام للقيام بتلك العملية التي ستعطي للرأي العام انطباعا ضخما للقوة يكون مخرجا نهائيا.
لقد كان للجنرال درود رأي حكيم بأن لا ننتظر طويلا هذا المخرج ذي الخمس والعشرين كلم، لأنه سبق أن نبهنا في الشاوية من الحذر منه.
فمن حوالي 5000 رجل من القوة مجموعة الإنزال الأولى التي جاءت عززت القوات القديمة المعسكرة في الدار البيضاء حيث بقيت هناك لحراسة المدينة.
وفي فاتح يناير 1908 صباحا توجه الجنرال إلى مديونة حيث استولى عليها منتصف النهار وسقطت القصبة في يده بالرغم من مقاومة جنود المحلة الحفيظية الذين طعنونا بالمدفع الذي استولوا عليه من محلة البغدادي العزيزية، واختفوا قبل أن يصاب منهم أحد.
وفي الغد دفع الجنرال بالاستطلاعات إلى حدود سيدي عيسى وأخلى القرية وانتهى بغزوة قوية استولى بها على أولاد حريز، وفي المساء نفسه عاد إلى الدار البيضاء.
وفي الغد عادت معه جل القوات بينما بقيت الأخرى في ثكنة مديونة تحت إمرة الكومندار سيرفو، هذان اليومان أنعشنا من الداخل وأعطانا كثيرا من الحيوية والنشاط، وكلفنا صبايحي قتيلا وثلاثة جرحى.
وفي 4 يناير (1908م) أمنت أولى رحلات التموين بين الدار البيضاء ومديونة وفي نفس اليوم دفن في احتفال اليوطنا كريما ديل gremadilles واثنان من الجنود قتلوا في العمليات.
وفي 5 يناير (1908م) تسلم الجنرال دماد منصبه، وفي 6 منه غادر الجنرال درود إلى وهران، وبذلك تكون المرحلة الأولى من احتلال الدار البيضاء انتهت” ص:27و28 (انظر مجلة إفريقيا الفرنسية 1908م).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *