حملة محمد علي على الحجاز ونجد ووأد النهضة العلمية عن طريق اغتيال العلماء والعمالة للعـدو الإنجليزي إعداد: عبد الله المصمودي

إذا كان الكثير من المستشرقين والغربيين ودارسي التاريخ يعتبرون أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت دعوة إصلاحية، فإن الكثير يستغرب كيف تم توجيه آلة الحرب العثمانية عن طريق والي مصر محمد علي باشا إلى قلب الدولة السعودية الناشئة التي كانت تقر بالولاء والبيعة للخليفة العثماني!
لكن الباحث والدارس لتاريخ محمد علي وابنه إبراهيم باشا يعلم يقينا أن ذلك تم بمكر خفي من بريطانيا وعميلها محمد علي لإضعاف الخلافة العثمانية وإشغالها بالثورات الداخلية، ولصد الحركات الإصلاحية التي من شأنها أن تخلق انبعاثا جديدا لروح المقاومة والجهاد والبراءة من الفكر الدخيل، ومن بعد ذلك يسهل إسقاط الخلافة التي تعتبر الحصن الحصين لبيضة المسلمين من عبث حملات الصليبيين.
ولتسليط الضوء على حقائق حرب محمد علي على آل سعود وآل الشيخ نسوق ما ذكره محمد الصلابي في كتابه “الخلافة العثمانية” (ص:395-400) حول الموضوع مع زيادة توضح حقيقة هذه الحرب.

حقيقة حرب محمد علي على الحجاز ونجد
“إن محمد علي لم يكن متقيداً بشرع الله في حربه بل كان مخالفاً للشرع متعدياً على حدود الله تعالى غير مبالٍ بأحكام الإسلام، فهذا جيشه يقتل ويدمر ويأخذ الأموال ويهتك الأعراض من المسلمين الموحدين.
إن السلطان العثماني كان يكفيه خضوع الحجاز لحكمه ومهاجمة الدرعية لم تكن مطلباً ملحاً أو ضرورياً للدولة العثمانية، وكان محمد علي متشدداً في شروط الصلح مما يدل على حرصه على استمرار الحرب، لأن هدفه من هذه الحرب خدمة أطماعه التوسعية في إطار ما تسمح به أهداف السياسة البريطانية في المنطقة، بعد أن أصبحت الدولة السعودية تشكل خطراً بالغاً على الوجود البريطاني في المنطقة بأسرها سواء في البحر الأحمر، أم في الخليج العربي، أم في وصولها إلى الطريق البري عبر العراق، وأصبحت بريطانيا تحس بتهديد حقيقي لمصالحها في الشرق، ولهذا فإن وصف هذه الحملة بأنها حملة صليبية في ثوب إسلامي يعد وصفاً حقيقياً.
خرج محمد علي إلى الحجاز عام 1813م، ولم يلبث أن انتصر في يناير 1815م على القوات السعودية في موقعة بسل، وهي الموقعة التي يعتبرها البعض “من أكبر وقائع الحرب الوهابية، بل من أهم المعارك في تاريخ مصر الحربي”.
وفي عام 1816م أرسل محمد علي حملة جديدة بقيادة ابنه إبراهيم باشا، الذي زحف بقواته من الحجاز صوب نجد، ونجح في الاستيلاء على مدن عنيزة وبريدة وشقراء، وإخضاع كل منطقة القصيم، واتبع إبراهيم في زحفه سياسة الملاينة مع القبائل وهي سياسة كان من شأنها استمالة عدد كبير من أهل نجد، إذ كان يعقد دائماً المجالس ويمنح الهبات للناس، واتخذ في بداية الأمر أسلوبا استعطف به القبائل فمنع النهب والسلب، واستطاع بخبرائه العسكريين الفرنسيين أن يواصل زحفه حتى الدرعية التي ضرب الحصار عليها لمناعتها، وكان حصاراً طويلاً استمر من 6 إبريل إلى 9 شتنبر 1818م، وانتهى باستسلام الأمير عبد الله بن سعود ودخول إبراهيم الدرعية، حيث أرسل من هناك الأمير السعودي في حراسة مشددة إلى مصر، ثم أرسل من القاهرة إلى استانبول، لقد شهر بالأمير عبد الله في شوارع استانبول ثلاثة أيام كاملة ثم أمر بإعدامه شنقاً فرحمة الله على ذلك المظلوم وستظهر حقيقة مقتله يوم الأشهاد.

قتل العلماء لوأد النهضة العلمية
إنه الذي دعا إلى الصلح صلح أهل الجزيرة من خلال رسالة وجهها الشيخ أحمد الحنبلي إلى طوسون، لقد بينوا أنهم يعترفون بإمارة السلطان العثماني، وأنهم لا يخرجون عن دولة الخلافة، فلم إذن كان الإصرار على توجيه القوات إلى جزيرة العرب؟ وهكذا أزهقت أرواح المسلمين بأيدي بعضهم البعض، نتيجة كيد الأعداء.
لقد قام أهل الجزيرة بمساندة مسلمي مصر عندما احتلها الفرنسيون، فلماذا هذا الاعتداء المتعمد؟
ومن أكبر جرائم إبراهيم باشا عندما استولى على الدرعية إحضاره للإمام سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بعدما وشى به الوشاة، ثم أمر بإحضار آلات اللهو والمنكر وضربت بين يدي إبراهيم باشا وبحضور الشيخ إغاظة وإرغاما له بها، ثم أخرجه إلى المقبرة وصلبه فيها، ثم أمر جنوده برميه بالبنادق والرصاص، ففعلوا حتى مزقوا جسده، وهو صابر محتسب.
إن محمد علي استطاع بواسطة الزعماء الذين ينسبون إلى الإسلام أن يقنع كثيرا من عوام الناس بأنهم يفعلون ذلك امتثالاً لأمر خليفة رسول الله، الذي له عليهم حق السمع والطاعة وأن الهدف من ذلك منع جزيرة العرب من الانفصال عن جسد دولة الخلافة.

محمد علي وابنه عميلان لبريطانيا
إن قضية الولاء والبراء كانت غائبة تماماً عن محمد علي، بدليل أنه أعطى ولاءه لأعداء الإسلام وسمح لهم بأن يقودوه ويقودوا الأمة معه إلى حتفها، وهذه نتيجة عملية لوصول تاجر دخان ظلَّ غير معروف النسب إلى سدة الحكم في بلاد المسلمين.
لقد كانت سعادة بريطانيا كبيرة عندما علمت بسقوط الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى، في أيدي قوات إبراهيم باشا، فقد كانت هي الدولة السلفية التي دعمت القواسم في مقاومتهم وجهادهم ضد بريطانيا في الخليج العربي، مما يعني تهديد المصالح البريطانية في الهند كما أسلفنا، وهنا يجدر بنا أن نسأل، خاصة في تلك الأحداث التي عاشها العالم الإسلامي في تاريخه الحديث، لنقول: لو أن جيوش محمد علي وجيوش الدولة العثمانية تعاونت مع الدولة السعودية الأولى بدل أن تحاربها، لتَقِفَا معاً في وجه الأطماع الأوروبية بشكل عام، وبريطانيا بوجه خاص، أنه لو تم ذلك لتغير وجه التاريخ، خاصة وأن الدولة السعودية دولة مسلمة أقامت دعائمها على المبدأ السلفي الصحيح، والعالم الإسلامي في تلك الفترة في أمس الحاجة إليها، وعلى أية حال فلقد أدركت بريطانيا مدى الاستفادة من هذه الظروف، فأسرعت بزف التهاني إلى إبراهيم باشا، من مبدأ الاحتواء في ضوء المصالح الذاتية لها، وبعثت بالكابتن “جورج فورستر سادلير” لتقديم التهنئة لإبراهيم باشا لاستيلائه على الدرعية، ولمحاولة إيجاد قاعدة يمكن من خلالها التنسيق بين قوات الباشا البرية، والقوات البريطانية البحرية للقيام بعمل حربي مشترك ضد القواسم، أتباع الدولة السعودية الأولى.
إن العلاقة بين بريطانيا، ومحمد علي قديمة، وفي بداية حكمه دخل في مفاوضات معهم استمرَّت أربعة أشهر أكَّد فيها محمد علي جديته، ورغبته المخلصة في الارتباط بهم، بل وطلب وضع نفسه تحت حمايتهم، وهو ما يؤكد تقرير “فريزر” الذي تولى التفاوض معه، الأمر الذي أدَّى -بعد اقتناعهم بذلك- إلى تخليهم عن أصدقائهم من المماليك. وقد تضمن التقرير الذي أعده قائد الحملة “فريزر” الذي تفاوض مع رسل محمد علي والذي أرسله إلى الجنرال “مور” في 16 أكتوبر سنة 1807م أهمَّ جوانب هذه المفاوضات، فقد جاء فيه: “أرجو أن تسمحوا لي بأن أبسط لكم، ليكون.. موضع نظركم فحوى محادثةٍ جرت بين باشا مصر والميجر جنرال “شريروك” والكابتن “فيلوز” أثناء قيامهما بمهمتهما لدى سموه -ولديَّ ما يجعلني أعتقد أن هذه المحادثة- ومن اتِّصالاتٍ خاصّةٍ كثيرةٍ أخرى كانت لي معه، بأنه جادٌّ، وصادق فيما يقترحه. لقد أبدى محمد علي باشا والي مصر رغبته في أن يضع نفسه تحت الحماية البريطانية، ووعدناه بإبلاغ مقترحاته إلى الرؤساء في قيادة القوات البريطانية كي يقوم هؤلاء بإبلاغها إلى الحكومة الإنجليزية للنظر فيها، ويتعَهّدُ محمد علي من جانبه بمنع الفرنسيين والأتراك، أو أي جيش تابع لدولة أخرى من الدخول إلى الإسكندرية من طريق البحر، ويعد بالاحتفاظ بالإسكندرية كصديق، وحليف لبريطانيا العظمى، ولكنه لا مناص له من الانتظار أن تعاونه انجلترا بقواتها البحرية، إذا وقع هجوم عليه من جهة البحر، لأنه لا يملك سفناً حربية، ويوافق محمد علي باشا في الوقت نفسه على تزويد كل السفن البريطانية التي تقف على بعدٍ من الإسكندرية بما قد تحتاج إليه من ماء النِّيل عند إعطائها إشارةً يصير الاتفاق عليها.
وقد علق القنصل الفرنسي “دروفتي” على ما بلغه من معلومات حول الاتفاق بين محمد علي والانجليز، الذي هو من نوع معاهدة بأن مثل هذه المعاهدة عند إبرامها سوف تحقق الأغراض التي توخاها الانجليز من إرسال حملتهم على مصر إن لم يفُق أثرها من هذه الناحية كل ما كان يتوقعه هؤلاء من إرسال هذه الحملة.
ولم يشأ الانجليز الإعلان عن كل ما احتوته بنود هذه الاتفاقية في أعقاب توقيعها وإخلائهم الإسكندرية وتسليمها إلى باشا مصر، حيث رأت بريطانيا ضرورة التريث في ذلك لما تحتويه من إعلان العداء الواضح للدولة العثمانية، لمساندتها لحاكم يريد الاستقلال عنها في وقت كانت الدبلوماسية الانجليزية لها مصالحها الكبرى مع دولة الخلافة والاستفادة منها ومن عميلها الجديد لبسط نفوذها على المنطقة إن أمكن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *