ابن الحطيئة أبو العباس أحمد بن عبد الله اللخمي (478-560هـ)

ابن الحُطَيْئة الشيخ الإمام العلامة القدوة، شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام اللخمي المغربي الفاسي المقرئ الناسخ، ولد بفاس سنة ثمان وسبعين وأربع مائة، وحج، ولقي الكبار، وتلا بالسبع على أبي القاسم بن الفحام الصقلي وغيره، وسمع من أبي الحسن بن مشرف، وأبي عبد الله الحضرمي، وأبي بكر الطرطوشي، حدث عنه: أبو طاهر السلفي وهو أكبر منه، وصنيعة الملك ابن حيدرة، وشجاع بن محمد المدلجي، والأثير محمد بن محمد بن بنان وقرأ عليه، وإسماعيل بن محمد اللمطي والنفيس أسعد بن قادوس خاتمة أصحابه.
وقد دخل الشام، وسكن مصر، وكان يعيش من الوِرَاقَة، وعلَّم زوجته وبنته الكتابة، فكتبتا مثله، فكان يأخذ الكتاب ويقسمه بينه وبينهما، فينسخ كل منهما طائفة من الكتاب، فلا يفرق بين الخطوط إلا في شيء نادر، وكان مقيما بجامع راشدة خارج الفسطاط، وتلا -أيضا- بالسبع على أبي علي بن بليمة، وعلي محمد بن إبراهيم الحضرمي، وأحكم العربية والفقه.
بعض مواقفه:
قال السلفي: كان ابن الحطيئة رأسا في القراءات، وقرأت بخط أبي الطاهر بن الأنماطي قال: سمعت شيخنا شجاعا المدلجي وكان من خيار عباد الله يقول: كان شيخنا ابن الحطيئة شديدا في دين الله، فظا غليظا على أعداء الله، لقد كان يحضر مجلسه داعي الدعاة مع عظم سلطانه ونفوذ أمره، فما يحتشمه ولا يكرمه.
ويقول: أحمق الناس في مسألة كذا وكذا الروافض، خالفوا الكتاب والسنة، وكفروا بالله. وكنت عنده يوما في مسجده بشرف مصر وقد حضره بعض وزراء المصريين أظنه ابن عباس، فاستسقى في مجلسه، فأتاه بعض غلمانه بإناء فضة، فلما رآه ابن الحطيئة وضع يده على فؤاده، وصرخ صرخة ملأت المسجد، وقال: وا حَرَّها على كبدي، أتشرب في مجلس يقرأ فيه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آنية الفضة؟! لا والله لا تفعل، وطرد الغلام، فخرج، وطلب الشيخ كوزا، فجيء بكوز قد تثلم، فشرب، واستحيى من الشيخ، فرأيته والله كما قال الله تعالى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} .
قال: وأتى رجل إلى شيخنا ابن الحطيئة بمئزر، وحلف بالطلاق ثلاثا لا بد أن يقبله، فوبخه على ذلك، وقال: علقه على ذاك الوتد، فلم يزل على الوتد حتى أكله العُثُّ، وتساقط، وكان ينسخ بالأجرة، وكان له على الجزية في السنة ثلاثة دنانير، ولقد عرض عليه غير واحد من الأمراء أن يزيد جامكيته فما قبل، وكان له من الموقع في قلوبهم مع كثرة ما يهينهم ما لم يكن لأحد سواه، وعرضوا عليه القضاء بمصر، فقال: والله لا أقضي لهم.. إلى أن قال شجاع: وكتب صحيح مسلم كله بقلم واحد، وسمعته وقيل له: فلان رُزق نعمة ومَعِدة، فقال: حسدوه على التردُّد إلى الخلاء، وسمعته كثيرا إذا ذكر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: طُوِيَتْ سعادةُ المسلمين في أكْفَان عمر.
وذكر في كتاب الدول المنقطعة في ترجمة أبي الميمون عبد المجيد صاحب مصر أن الناس أقاموا بلا قاض ثلاثة أشهر في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة ثم اختير في ذي القعدة أبو العباس ابن الحطيئة، فاشترط أن لا يقضي بمذهب الدولة -يعني الرفض- فلم يمكن من ذلك، وتولى غيره.
قال شجاع: كان الشيخ أبو العباس قد أخذ نفسه بتقليل الأكل، بحيث بلغ في ذلك إلى الغاية، وكان يتعجب ممن يأكل ثلاثين لقمة، ويقول: لو أكل الناس من الضار ما آكل أنا من النافع ما اعتلوا.
وفاته:
توفي ابن الحطيئة -رحمه الله- في المحرم سنة ستين وخمسمائة ودفن بمصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *