الغزو الفرنسي للمغرب يستخدم سلاح الاتفاقيات

لقد كانت شدة المقاومة المغربية للغزو الفرنسي شرقا وغربا وجنوبا، واسبانيا شمالا، ذريعة للاستعانة والاستنجاد بالمعاهدات المبرمة مع الدولة المغربية وخاصة معاهدة 1901م 1902م، ثم مقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء 1906م، وذلك من أجل نزع الشرعية عن المقاومة بواسطة تبرؤ السلطان منها ومن قادتها، كما بينا وسنرى لاحقا في شروط الاتفاق المبرم بين سفير السلطان في باريس والحكومة الفرنسية في 15 مارس 1910م، والذي رهن بموافقات السلطان كالتالي: (أمضينا هذا الوفق المشتمل على مسألة الشاوية والدار البيضاء، ومسألة الحدود والمسألة المالية إمضاء معلقا على مصادقة الجانب الشريف عليه) انظر المغرب من عهد الحسن الأول إلى عهد الحسن الثاني ج1 زين العابدين العلوي ص341.

وهذا القيد يجب أن يفهم في ضوء ما يقيد السلطان كما يقول “لوكليرك”: (يجب أن لا ننسى بأن السلطان مغربي، وأنه تنبأ منذ مدة بمنطقية عدم الانفلات من التحديث الأوربي”. ص:27 إفريقيا الفرنسية 1910م.
وفيما نقل عن القائد سالم العبدي من أنه (إذا كان السلطان غير قادر على جمع الرجال ودفعهم مسلحين لمواجهة العدو لأن يديه مكبلتان، فإن من حق العلماء والشرفاء اختيار إمام قوي، إمام يجتمع حوله المؤمنون الحقيقيون لأن الوقت قد حان لإعلان الجهاد، فهل يجب أن ننتظر حتى يهاجم العدو أسوار مراكش؟)، وذلك ما أجابت عنه بيعات مختلف جهات المغرب لمولاي عبد الحفيظ دون أن يتحرك نحوها، ذلك أن الفقهاء والعلماء قاموا بالدور وأجمعوا على (أن المقلد لا تبقى له بيعة في الأعناق.. وأنه لا عذر له في ترك الجهاد) ص320-321 العلوي مصدر سابق.
وهذا ما جعل مولاي عبد الحفيظ يتسلطن وينتقل من مراكش إلى فاس، ويلقب بسلطان الجهاد، وتعترف به مختلف أطراف البلاد، بيد أن تطلعه إلى الاعتراف الدولي به اصطدم بعقبة الموافقة على الاتفاقات الدولية التي أسقطت بيعة أخيه، وجعلت بيعته محل شك في نظر البعض لما فيها من مساس بالشروط المبايع عليها بعدما تبين أنه سيوافق أو وافق على ما كان سببا في اعتلائه العرش.
إن الواقع الذي وجد نفسه فيه بين الوفاء للمبايعين له بما بايعوه عنه وبالقيام بما يقتضيه الواجب المفروض عليه من قبل الدول الطامعة في المغرب أو الغازية له جعله يتردد في الموافقة على المعاهدات أو الشروط المطالب بها، مما جعل “لوكليرك” يقول عنه تحت عنوان (وضع السلطان): “مولاي حفيظ الذي عودنا منذ سنة ونصف على إظهار العداء للفرنسيين وعدم الموافقة واصطناع البلاهة يظهر أنه نصح منذ شهر فأظهر بعض المستجدات الخبيثة، وفكر مليا في أشكال مفضلة للمستقبل، ومع ذلك ما يزال تفكيره مريبا، حيث يقدم أفكارا راقية متقدمة ثم ما يلبث أن يتراجع عنها فهو يريد تأهيل المغرب العتيق الذي يعتبر الكلاوي من أنصاره المفضلين، والمغرب الحديث الذي يريده المقري، ويتمثل ذلك في موقف مولاي حفيظ من ماء العينين الذي طالبه بالرجوع إلى سوس، وأنه غير مستعجل على حضور ممثلي النواحي الموجودة بين فاس وملوية إلى عاصمته، وبذلك يكون في نقطة ردّ كل ما يتعلق بالحرب المقدسة، ويريد أن يترك له الوقت الأمثل لتقييم الأوضاع، لذلك لا يمكن له أن يزود من سبق بالسلاح والذخيرة التي طلبوها، طالبا منهم الانخراط في أداء الضرائب واستخلاصها” ص272 إفريقيا الفرنسية 1910م.
وعن هذه المرحلة جاء الكتاب الذي أصدرته الإقامة العامة بمناسبة مرور عشر سنوات على الحماية بعنوان (la renaissance du maroc 1912-1922)، في سنة 1908 كان المغرب قد مسّ من ثلاث جهات على دفعة واحدة ذلك أن المعادين لفرنسا في الشاوية وبني يزناسن إندحروا أواخر 1907م، في حين أن مجموعات تافيلالت وبرابرة تادلة والسفوح الشرقية للأطلس حيث أعلن بعض المتدينين الحرب المقدسة وهيئوا حركة كبيرة في مارس 1908م مهاجمين المنابهة، مما جعل الجنرال فيجي يقوم بهجوم مضاد لهم انطلاقا من العين الصفرة بتاريخ 16 مارس، حيث انتصر عليهم في بوعنان وبوذنيب.
وفي فبراير 1910م قتل ليوطنا “ميوكس” من مصلحة الاستعلامات في أحواز الدار البيضاء مما أوجب القيام بحملة قهرية للمنطقة المتواجد بها مُكَدّرُو التهدئة من قطاع الطرق وتطهير المناطق المحاذية لمراكزنا هناك والتدخل في زعير.
وبعدها كان من الواجب القيام بعملية أخرى ضد ماء العينين الذي فرّ من خصمه القديم بموريطانيا الكولونيل “كورو” قاصدا الشمال بغية الدخول إلى فاس، فقام الجنرال “موانيي” باعتراضه على رأس 1100 رجل في سهل تادلا، حيث قامت القوات التي قادها الكومندار “إيرت” بردّه إلى الجنوب جريحا، ثم ما أن لبث مات بعد شهر ص92-93.
بعد هاته المعارك تمت صياغة اتفاق 15 مارس 1910م الذي سبق الإشارة إليه، بعد حزمة من التهديدات الموجهة إلى السلطان بواسطة وزير الخارجية الفرنسي “بيشون”، بواسطة مراسلات للوزير المفوض الفرنسي بطنجة “رونو”، جاء في الكتاب الأصفر حول المغرب ضمن منشورات (affaires du maroc): (منذ بداية يبراير 1910 بيشون منشغل بلي ذراع السلطان، بعث برسالة 10/02/1910م جاء فيها، لم نتوصل بعد بمعلومات حول نوايا مولاي حفيظ المتعلقة بالتصديق على الاتفاق المبرم مع السفراء لنخمن بالضبط ما يجب اتخاذه، كيفما كان الحال لم يعد بالإمكان التلاعب بالأشياء لأمد بعيد ومحاولة تناسي الواجبات التي تلخص مفاوضات الملتزم بها منذ أمد، لذلك نريد معلومات مضبوطة على هذه النقط: هل حاول السلطان مدّ السلاح والذخيرة لجهات مشبوهة؟
من جهة أخرى، هل بدأ بإدخال بعتثنا العسكرية في مخططه..؟
ولابد من اطلاعنا دون إبطاء على المحددات التي يمكن لنا اتخاذها مع المخزن للمصادقة على تفاهماتنا وضمان مجابهته بعشرات المعادين لنا الذين يمكن أن يعيشوا تحت رعايتنا.
وفي 14 يبراير 1910م بعث نفس الوزير برسالة أخرى جاء فيها: أليس لك تاريخ محدد لإمضاء مولاي حفيظ على الاتفاق؟ وما هو التاريخ المتفق؟
عليك أن تفهم الڭباص بأننا لم نترك السلطان يستسلم للمناورات التي يهيئها والتي نعرفها، والتي لا نريد لعبها، ولا نقبل بغير المصادقة على الاتفاقية دون تجنب أو إمهال) ص347 1910م.
وفي 16 يبراير بعث إنذار إلى السلطان مكتوب (بوجوب المصادقة على الاتفاق في ظرف 24 ساعة، وإخلاء قنصلنا بفاس هو وباقي مواطنينا، وتضمين الإنذار في نفس الوقت بعدم وضع بعثتنا العسكرية في خدمته قبل استغنائه عن البعثة التركية.
وقد بعث “بيشون” بنفس الإجراء إلى باقي الدول للإخبار مضيفا “بأن الحكومة الفرنسية لن تتراجع في استعمال الوسائل الجبرية لضمان إذعان المخزن للقانون).
وفي 21 يبراير 1910م أعلن المقري بباريس بأنه أخبر بالسماح له بالتوقيع على الاتفاق، بينما في فاس وضع ڭيار الإنذار حيث أظهر أيضا بعض التردد أمام مساعدينا في القنصلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *