تركنا في الحلقة السالفة الجنرال «طوطي» ينظم قواته لمراقبة تحرك القبائل قرب الضفة اليمنى لملوية، ومنعها من التوجه لتعزير المناهضين لغزو فاس، والاستيلاء على الطريق الواصلة بينها وبين المحيط الأطلسي.
وفي يوم 22 أبريل، قررت الحكومة الفرنسية إرسال التعليمات اللازمة لـ«موانيي» للتحرك بقواته نحو فاس، بعدما أمرت بإرسال قوات جديدة لتعزيزه، وهكذا ارتفعت قوات الشاوية بأربعة فرق بفعل وصول القوة الجديدة، التي جاءت من فرنسا والجزائر والسينغال، لتنفيذ المخطط المعتمد من طرف القائد العام المتفق عليه مع الحكومة، وصار الكل يفكر في التوجه لـ«دار الزراري» مدخل سهل فاس.
«الكولون عازم على إرهاب الثوار وإجبارهم على فك الحصار عن المدينة وإثبات فعالية تدخل قواتنا لإقرار أوامر السلطان وإنقاذ الأوربيين في المدينة وتهدئة المحتجين خاصة الصحف الألمانية، واحتمال مواصلة الكولون طريقه إلى فاس وإنهاء مهمته.
وزير الخارجية صرح في البرلمان بأن الأيام التي ستبقى القوات فيها أمام أسوار فاس ستتقلص، واستدعاء القوات من الشاطئ الأطلسي رهين بابتعاد الثوار ووجود الأوربيين خارج دائرة الخطر.
الكولون مكون من ستة فرق من كوم الشاوية المتمركزين في بوزنيقة تحت قيادة الكولونيل «سيمون»، مدعومين بكولون ثقيل بقيادة «بريموند»، مكون من ثلاثة أفواج وسرية وبطاريتين 75 وفصيلتين 65، المجتمعة في «قصبة سليمان»، معسكر «بلحوت»، على بعد 23 كلم من بوزنيقة، أخبر «موانيي» بأن كل القوات يجب أن تكون على استعداد يوم 24 أبريل، للتحرك نحو القنيطرة للوصول إليها يوم 30 منه، وفي 4 و5 ماي تصل فاس، بيد أن المستنقعات الناتجة عن الأمطار الغزيرة الاستثنائية خلقت فيضانات أغرقت البلاد، وفرضت على قواتنا التوقف لمدة في القنيطرة» ص.252.
«الجرائد الإسبانية والفرنسية والألمانية تسارعت لمناقشة تطبيق عقد الجزيرة واحترام ما جاء فيه من اتفاق، مما جعل حكومتنا تعمل على تدقيق اختياراتها، مبينة أسباب اختيارها خطوط العمليات المعرضة للنقد أمام سفراء العالم، مبينة أنها تعتبر طريق القنيطرة-فاس عبر سهل سبو، أطول من مثيلتها عبر تيفلت-مكناس، بيد أنها خطرة وكثيرة الحوادث لمرورها بغابة معمورة، حيث يسهل مهاجمتنا من قبل المتمردين المتمركزين في مكناس، والذين سبق لهم المشاركة في عدة معارك ضدنا.
في حين أن طريق «لالة يطو» وسهل سبو، تمر جنوب حدود أراضي شريف وزان، الذي تربطه بنا صداقة، ما عدا سافلة مرتفعات «سلفات» و«زرهون»، حيث لن يتعرض جنودنا لمفاجآت على تخوم حدوده، كما يمكنهم استخدام تفوقهم العددي والتسليحي في المسافة المذكورة» ص.251.
قبل انطلاق العمليات العامة، أداع «موانيي» بيانا بين القبائل يحذرهم من إظهار علامات المحاربة والتجمهر المريب، مخبرا بأن ممثل السلطان عزم على مغادرة القنيطرة يوم 11 ماي 1911 نحو فاس، وهكذا عسكر في «لالة يطو» يوم 12 ماي، حيث استقبل «بريموند» قافلة تموين «كورو»، وردّ يوم 14 منه هجومين مخيفين لـ«بني احسن» و«زمور».
هذا التحرك اتبع بتوقفات لم تكن إلا ترضية للرأي العام الفرنسي الذي كان يخشى سوء عاقبة الصعوبات المحلية السيئة التحديد، أو ترقب توقيع تسوية سريعة واسعة لتهدئة المغرب، وأثناء ذلك لم تتوقف الحكومة عن بعث الإمدادات حوالي منتصف ماي، لينتقل عدد القوات إلى عشرة أفواج، مشاة استعمار، «ازواوا»، قناصة جزائريون وسينغاليون، أربع سرايا، سريتا مواصلات، تم إنزالها بالدار البيضاء والرباط ومهدية.
هذا العدد من القوات فرض على قائد العمليات ملاءمة توسيع مخططاته السالفة لتتلاءم مع العدد الجديد والعمليات المحتملة، بعدما تحول الكولون الصغير إلى قوة غزو حقيقية يعاد تنظيمها يوميا، إداريا وتموينيا وتدريبيا على القتال والإسناد والقيادة، في إطار حمى عمليات غامضة ومثيرة.
في هذه الأثناء، ضاعفت قبائل «زمور» و«بني احسن» هجوماتها علينا، ففي 5 ماي استولوا على قافلة شعير ونقود كلفتنا ثلاثة قتلى وستة جرحى، وفي 6 منه، قاموا بعملية مماثلة بنفس المكان، ويوم 7 منه، هاجموا معسكر القنيطرة، كما هاجموا يوم 9 «دار بلعروسي»، ويوم 11، نصبوا كمينا ضد القافلة التموينية.
أخيرا، يوم 16 ماي تم توزيع الأدوار بين القادة، حيث أخذ «موانيي» قيادة القوات الثقيلة المكونة من مجموعة الكولونيل «برولارد» والجنرال «دالبيز»، الأولى تتكون من فوج مشاة كولونيال، والقناصة المختلط الجزائريين والسينغاليين، وفصيلة الرشاشات وبطاريات 75 و65، ونصف كوكبة «اصبايحية»، وكوم «سيمون» وجموع «دالبيز» المكونة من فوج قناصة الجزائر، وقوات اللفيف، و«ازواوا» وفصيلة رشاشات وبطاريات 75، وسرية قناصة أفارقة، المجموعتان كونتا حوالي 6000 رجل، وصلوا في بضعة أيام للكولونيل «كورو» الذي كان عليه قيادة قافلة تموين القوات والعاصمة.
16 ماي، غادرت مجموعة «برولارد» «لالة يطو»، حيث وصلت يوم 17 إلى «مشرع الدرعا»، وأقامت معسكرا بـ«سيدي كدار»، ويوم 18 منه، تجمع الكولون حول «سلفات»، وفي 19 كان في «عين موكا»، حيث لقيه شريف وزان مصحوبا ببعض الأجانب جاؤوا من القصر الكبير، ويوم 21 وصلوا مشارف فاس، حيث توجهوا لـ«دار الدبيبغ»، وفي نفس اليوم أمر السلطان المحلة بالتوجه إلى «اشراكة».
كانت محلة التموين تتكون من 1700 جمل يحرسها حوالي 2000 رجل، وقد أعلن يوم 19 عن مقتل «بيتيجة» ومهاجمة القنيطرة من طرف «بني احسن»، ويوم 22 دارت معركة مع «بني احسن» بين «مشرع الدرعا» و«سيدي كدار» في «دار بن علي»، سقط بها 4 قتلى وجرح 18، ويوم 23 سقط 9 قتلى و15 جريحا، ويوم 25 دارت معارك متفرقة حول «انزالة بني عمار» مع «لوداية»، ويوم 26 وقعت معركة حول «دار الدبيبغ» قتل بها 10 وجرح 25، ومن الأعداء سقط الكثير.
عمليات حول فاس
اجتماع «بلولارد» و«دالبيز» و«كورو» تحت أسوار فاس كون ما مجموعه حوالي 8000 رجل، وهي القوة التي أراد بها «موانيي» تهدئة أحواز فاس وضمان سيادة السلطان مولاي حفيظ، في هذه الأثناء اعترض زمور الجنرال «ديت» بين مهدية والرباط، حيث قتل له 5 وجرح 5 آخرون، كما قام «بنو امطير» بإحراق عدة دواوير في سهل فاس.
وبنصيحة من «موانيي» و«كيار» قبل السلطان إقالة لكلاوي وأخيه باشا مراكش، ويوم 28 ماي توجه «موانيي» إلى «زرهون» لمعاقبة مهاجمي «كورو» وفتح طريق سيدي كدار-لالة يطو-القنيطرة، ويوم 31 منه أقيم مركز «بيتيجة» ضد «زرهون»، ويوم 2 يونيو بدأ الرجوع إلى متمردي بني امطير، اشراكة، زرهون، حيث فقدنا 3 قتلى و5 جرحى، ويوم 3 يونيو عادت القوات الفرنسية إلى دار الدبيبغ» ص.257.
«بعد تلك العمليات، لم يبق إلا القضاء على سلطة مولاي الزين السلطان الجديد بمكناس، الذي لم يكن يتوفر على القوة اللازمة لإبعاد أصدقائنا أو حيوية القائد الذي يمكنه قيادة حرب مقدسة ضدنا، مما جعل بعض القبائل والمتعصبين ينتظرون مآل الأحداث، ولم يبق معه سوى بنو امطير المتعصبون رغم هزيمتهم في معركة «انزالة هوب» يوم 2 يونيو، وعندما كانت قواتنا تستعد للدخول إلى فاس في ليلة 4 و5 يونيو هاجم عدة مئات فجأة معسكر دار الدبيبغ، فاستقبلتهم المدافع، ففر بعضهم وقتل بعضهم الآخر في الميدان» ص.257.
«ويوم 5، يونيو اجتمعت مجموعة «برولارد»، و«دالبيز»، و«كورو»، مكونين 6000 رجل في قافلة من 1200 جمل، وتوجهوا للبهاليل، وصفرو، مركز تجمع المعادين الذين هاجموا فاس بحوالي 2000 مقاتل، وبعد معركة ضارية أعلنت البهاليل وصفرو استسلامهم، وقد فقدنا في تلك المعركة 5 قتلى و14 جريحا.
توجه بنو امطير ناحية مكناس للدفاع عنها، ففي 7 يونيو قطع بنو امطير مجاز «واد مدهوما»، فقصفنا باب قصبة القايد البودماني، قائد بني امطير، الذي عسكر يوم 8 قاطعا طريق مكناس، في تحالف مع القبائل ضد مولاي الزين، بعدما استسلم لـ«موانيي» الذي أعطاه عفو السلطان عنه ومن معه من الثوار، ويوم 12 يونيو استقبل «موانيي» شرفاء زاوية مولاي ادريس، وقبل استسلامهم، ويوم 15 منه عادت القوات إلى دار الدبيبغ» ص.258.