أبو عبد الله محمد المُرْسِي (570- 655هـ)

هو الإمام العلامة البارع القدوة المفسر المحدث النحوي ذو الفنون شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السلمي المرسي الأندلسي، ولد بمرسية في أول سنة خمسمائة سبعين أو قبل بأيام .
طلبه وشيوخه
سمع “الموطأ” من المحدث أبي محمد بن عبيد الله الحجري في سنة تسعين وخمسمائة، وسمع من عبد المنعم ابن الفرس، وأكثر الأسفار، ودخل إلى العراق وإلى خراسان والشام ومصر، وسمع من منصور الفراوي، والمؤيد الطوسي، وزينب الشعرية، وعبد المعز بن محمد الهروي، وعدة.. وببغداد من أصحاب قاضي المرستان، وكتب، وقرأ وجمع من الكتب النفيسة كثيرا، كان متضلعا من العلم، جيد الفهم، متين الديانة، حدث “بالسنن الكبير” غير مرة عن منصور .
طلبته وإقراؤه اللعم
حدث عنه ابن النجار، والمحب الطبري، والدمياطي، والقاضي الحنبلي، والقاضي كمال الدين المالكي، وشرف الدين الفزاري الخطيب، وأبو الفضل الإربلي، والعماد بن البالسي، ومحمد بن المهتار، وبهاء الدين إبراهيم بن المقدسي، والشرف عبد الله بن الشيخ، والشمس محمد بن التاج، وابن سعد، ومحمد بن نعمة، ومحمود بن المراتبي، وعلي القصيري، وخلق كثير .
قال ابن النجار: قدم طالبا سنة خمس وست مائة، فسمع الكثير، وقرأ الفقه والأصول، ثم سافر إلى خراسان، وعاد مجتازا إلى الشام، ثم حج .
قال: وقدم بغداد سنة أربع وثلاثين، ونزل بالنظامية، وحدث “بالسنن الكبير” و”بالغريب” للخطابي، وهو من الأئمة الفضلاء في جميع فنون العلم، له فهم ثاقب، وتدقيق في المعاني، وله تصانيف عدة ونظم ونثر .
إلى أن قال: وهو زاهد متورع كثير العبادة، فقير مجرد، متعفف نزه، قليل المخالطة، حافظ لأوقاته، طيب الأخلاق، كريم متودد، ما رأيت في فنه مثله، أنشدني لنفسه:
مـن كان يرغب في النجاة فما له غـير اتبـاع المصطفى فيما أتى
ذاك السـبيل المسـتقيم وغـيره سـبل الضلالة والغواية والـردى
فـاتبع كتاب الله والسنـن التـي صحت فـذاك إن اتبعت هو الهدى
ودع السـؤال بلم وكـيف فإنـه باب يجـر ذوي البصـيرة للعمى
الدين مـا قـال الرسول وصحبه والتـابعون ومـن منـاهجهم قفا
مكانته
قال ابن الحاجب: سألت الضياء عن المرسي فقال: فقيه مناظر نحوي من أهل السنة صحبنا في الرحلة، وما رأينا منه إلا خيرا .
وقال أبو شامة كان متفنا محققا، كثير الحج، مقتصدا في أموره، كثير الكتب محصلا لها، وكان قد أعطي قبولا في البلاد .
وقال ياقوت هو أحد أدباء عصرنا، تكلم على “المفصَّل” للزمخشري، وأخذ عليه سبعين موضعا، وهو عذري الهوى، عامري الجوى، كل وقت له حبيب، ومن كل حسن له نصيب. رحل إلى خراسان، وقدم بغداد وأقام بدمشق وبحلب، ورأيته بالموصل، ثم يتبع من يهواه إلى طيبة، وأخبرني أنه ولد بمرسية سنة سبعين، وهو من بيت كبير وحشمة، وانتقل إلى مصر، وقد لزم النسك والانقطاع، وكان له في العلوم نصيب وافر، يتكلم فيها بعقل صائب، وذهن ثاقب.
وكتب الكندي في تذكرته أن كتب المرسي كانت مودعة بدمشق، فرسم السلطان ببيعها، فكانوا في كل ثلاثاء يحملون منها جملة إلى دار السعادة، ويحضر العلماء، وبيعت في نحو من سنة، وكان فيها نفائس، وأحرزت ثمنا عظيما، وصنف تفسيرا كبيرا لم يتمه، قال: واشترى الباذرائي منها جملة كثيرة .
وفاته
قال الشريف عز الدين في الوفيات توفي المرسي في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وست مائة في منتصفه بالعريش، وهو متوجه إلى دمشق، فدفن بتل الزعقة، وكان من أعيان العلماء، ذا معارف متعددة، وله مصنفات مفيدة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *