أبو يوسف يعقوب المنصور (ت 595 هـ)

هو أمير المؤمنين المنصور أبو يوسف يعقوب بن أبي يعقوب بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي، ولد سنة 554هـ، وكان عهده عهد رخاء لم تعرف له دولة المغرب مثيلا، فقد ضاهت الحضارة الموحدية في زمنه نظيرتها العباسية، وفي ذلك يقول عبد الله كنون: «كان عهده العهد الذهبي للمغرب سواء من ناحية استبحار العمران وازدهار الحضارة، أو من ناحية استقرار النظام وانتشار العدالة، فكانت المرأة تخرج من بلاد نول إلى برقة وحدها ولا ترى من يعرض لها ولا من يمسسها بسوء، وكان الدينار يقع من الرجل في الشارع العمومي فيبقى ملقى لا يرفعه أحد عدة أيام إلى أن يأخذه صاحبه، ويمكث القاضي الشهر وأكثر لا يجد من يحكم عليه، لتناصف الناس وارتفاع مستواهم الخلقي، وكان المنصور ينظر بنفسه في المظالم حتى إنه لينظر في قضية الدرهم والدرهمين وينصف من نفسه ويمتثل لحكم القضاة». النبوغ المغربي 106.
قال العلامة خالد الناصري رحمه الله: “كان المنصور يشدد في إلزام الرعية بإقامة الصلوات الخمس، وقتل في بعض الأحيان على شرب الخمر، وقتل العمال الذين تشكوهم الرعايا، وأمر برفض فروع الفقه وإحراق كتب المذاهب، وأن الفقهاء لا يفتون إلا من الكتاب والسنة النبوية، ولا يقلدون أحدا من الأئمة المجتهدين، بل تكون أحكامهم بما يؤدي إليه اجتهادهم من استنباطهم القضايا من الكتاب والحديث والإجماع والقياس” الاستقصا 2/200.
قال عبد الواحد بن علي كنت بفاس، فشهدت الأحمال يؤتى بها، فتحرق، وتهدد على الاشتغال بالفروع، أمر الحفاظ بجمع كتاب في الصلاة من “الكتب الخمسة”، و”الموطأ”، و”مسند ابن أبي شيبة”، و”مسند البزار”، و”سنن الدارقطني”، و”سنن البيهقي”، كما جمع ابن تومرت في الطهارة. ثم كان يملي ذلك بنفسه على كبار دولته، وحفظ ذلك خلق، فكان لمن يحفظُه عطاءٌ وخلعةٌ. إلى أن قال: وكان قصده محو مذهب مالك من البلاد، وحمل الناس على الظاهر، وهذا المقصد بعينه كان مقصد أبيه وجده، فلم يظهراه، فأخبرني غير واحد أن ابن الجد أخبرهم قال: دخلت على أمير المؤمنين يوسف، فوجدت بين يديه كتاب ابن يونس، فقال: أنا أنظر في هذه الآراء التي أحدثت في الدين، أرأيت المسألة فيها أقوال، ففي أيها الحق؟ وأيها يجب أن يأخذ به المقلد؟ فافتتحت أبين له، فقطع كلامي، وقال: ليس إلا هذا، وأشار إلى المصحف، أو هذا، وأشار إلى “سنن” أبي داود، أو هذا، وأشار إلى السيف.
كان يقول رحمه الله يا معشر الموحدين، أنتم قبائل، فمن نابه أمر، فزع إلى قبيلته، وهؤلاء -يعني طلبة العلم- لا قبيل لهم إلا أنا، قال: فعظموا عند الموحدين .
وكان يجمع الأيتام في العام، فيأمر للصبي بدينار وثوب ورغيف ورمانة.
وبنى مارستان ما أظن مثله، غرس فيه من جميع الأشجار، وزخرفه وأجرى فيه المياه، ورتب له كل يوم ثلاثين دينارا للأدوية، وكان يعود المرضى في الجمعة، وورد عليه أمراء من مصر، فأقطع واحدا تسعة آلاف دينار، وكان لا يقول بالعصمة في ابن تومرت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *