حركة 20 فبراير.. ومرض الحزبية

تعدد المرجعيات التي يصدر عنها الشباب الذي خرج إلى الشارع للتظاهر؛ كان من المتوقع أن يترتب عنه أيضا اختلاف في الشعارات والأهداف المتوخاة من وراء الاحتجاج الكبير الذي تشهده العديد من شوارع المملكة.

والمتابع لمجريات هذه المسيرات والحراك الكبير للحركات الاحتجاجية والنضالية يلمس هذا الخلاف؛ فحتى طريقة رفع الأيدي في المظاهرات لم تكن موحدة، حيث أن فصيلا من المتظاهرين كان يرفع أصبعا واحدا (علامة التوحيد)؛ وفصيل كان رفع أصبعين إشارة إلى علامة النصر؛ وثالث كان يرفع ثلاث أصابع ورابع كان يرفع يديه قابضا على أصابعه، وهي إشارات واضحة ترمز إلى تعدد مرجعيات المتظاهرين الذين يتشكلون من شباب ينتمي إلى العدالة والتنمية والعدل والإحسان وبعض السلفيين الذين اضطهدوا ظلما وعدوانا في أقبية السجون ومخافر التحقيق والتعذيب؛ إضافة بعض الشباب المشبع بأفكار اليسار البائد وإلى الحركة الأماريغية.
فإذا كانت المسيرات الأولى التي نزلت إلى الشارع كمسيرات 20 فبراير قد حاولت القفز على الخلاف الأيديولوجي والفكري لتحقيق المتفق عليه بين جميع الأطياف والألوان؛ فإن المسيرات التي تلتها كمسيرة 20 مارس و24 أبريل قد كشفت بجلاء هذا الانقسام وأبرزت معالمه؛ حيث بدا فيها التمييز وأسلوب الإقصاء أكثر وضوحا وجلاء؛ إلى درجة أنه سجل بمدينة مراكش الحمراء رفض حركة 20 فبراير رفع لافتة المطالبة بإعادة فتح دور القرآن الكريم؛ ورفع الحيف عن جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة، وهو الأمر الذي دفع بحركة “باراكا” أحد المشاركين في المسيرات الاحتجاجية أن تنشق عن المسيرة لتتظاهر وحدها.
وأوضح المتحدث عن حركة “باركا” أن الحركة كانت من المؤسسين الأوائل لحركة 20 فبراير والداعمة لها، وقال: “لسنا مجبرين على التنسيق مع أي أحد، لأننا جزء لا يتجزأ منها”، مؤكدا، في السياق ذاته، “أن جوهر الخلاف مع الهيأة المنظمة هو اللافتة التي تطالب بفتح دور القران في مراكش، حيث طلب المنظمون سحب هذه اللافتة فقط مقابل المشاركة في المسيرة”، و”هو ما لن نتنازل عنه”.
في المقابل أدان محمد الدوقي مسؤول شبيبة العدل والإحسان نزول حركة “باراكا” دون التنسيق مع الهيآت الداعمة، موضحا أن جميع المطالب يجب أن ترفع من داخل حركة 20فبراير، بعيدا عن “التسويق الانتخابي”.
فأن يصدر مثل الكلام عن يساري أو علماني يكن العداء التام للمرجعية الإسلامية؛ يمكن أن يجد له المتتبع أكثر من تفسير ومسوغ؛ لكن أن يصدر مثل هذا الهراء عن فصيل ينتمي إلى “حركة إسلامية”!! تدعي الدفاع عن (الإسلام وثوابته) وتطمح إلى إرساء معالم (خلافة على منهاج النبوة)!! فلا يمكن أن نجد له مبررا البتة؛ اللهم إلا الحزبية والعصبية المقيتة للجماعة؛ والإقصاء والتهميش؛ وضعف الوعي؛ وقصور في التصور.
فجماعة العدل والإحسان التي شاركت في مسيرة مراكش ورفضت أن ترفع لافتة إعادة فتح دور القرآن الكريم التي أقدمت وزارة الداخلية (المخزن!) على إغلاقها في شهر رمضان! اختارت -وياللعجب- التحالف مع حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي!!! الحزب اليساري الراديكالي المنشق عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؛ الحزب ذو المرجعية المادية الصرفة الذي لا زال يعتقد في أيديولوجيات وأفكار بائدة تجاوزها الوقت وكشف عوارها التاريخ وفضحتها التجربة.
وقد تناسى ممثلو جماعة العدل والإحسان المحظورة أنه إذا كانت تجمعهم مع هذا الحزب اليساري المتطرف “المعارضة الراديكالية للنظام”!! فإنه يجمعهم مع باقي إخوتهم في الجماعات الإسلامية الأخرى أكثر من ذلك بكثير؛ وغفلتهم عن هذا الملحظ المهم؛ وإصرارهم على عدم الاستماع إلى كل من يتوجه إليهم بالنصيحة سواء بالكتابة أو المحاضرة أو المناظرة هو ما يجعلهم شواذ بين الحركات الإسلامية في المغرب.
وجميعنا يتذكر الموقف السلبي الذي اتخذته جماعة العدل والإحسان أعقاب أحداث 16 ماي وإغلاق دور القرآن الكريم بخلاف باقي الجماعات الإسلامية الأخرى في المغرب الذين تضامنوا مع إخوانهم شكلا مضمونا؛ فحتى لو كان هناك خلاف بين جماعة ياسين وجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش فإن الزمن الذي نعيشه اليوم والظرفية التي نمر بها تستلزم منا جميعا فقها عميقا وحكمة بالغة؛ إذ دور القرآن التي امتنعت الجماعة لا أقول عن مساندتها بل عن السكوت فقط عن رفع شعارات بإعادة فتحها، انشغالها وهمها الوحيد هو تحفيظ كتاب الله تعالى؛ وتعليم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وحين تضامن بعض أعضاء حركة “باراكا” وحملوا هذا الشعار كانوا واعين كل الوعي بهذا الملحظ المهم ولم يكن هدفهم التسويق لمشاريع انتخابية قادمة؛ بخلاف جماعة ياسين مع الأسف الشديد.
وقد سعت بعض الأطراف المشاركة في الحركات الاحتجاجية إلى فرض مطالبها لا أقول الخاصة بل الشاذة باسم الشعب المغربي؛ وادعت -دون حياء- أن هذا الشعب يريد العلمانية وينبذ التخلف؛ وحاولت من خلال شعاراتها وخرجاتها الإعلامية تصوير التخلف في محاولة استغلال الدين في السياسة وإقحام الدين في هذا المجال، وأن رموز الاستبداد يوظفون الحركات الإسلامية لفرملة الانتقال الديموقراطي! وتعطيل المشروع الحداثي! (أنظر بيان بيت الحكمة)
وهذا مسلك خطير وخطير جدا؛ فنحن حين نلتفت اتجاه الدول التي نجحت فيها -إلى حد ما- الحركات الاحتجاجية نرى أن الشباب الذي خاض مضمار هذه التجربة لم يرفع شعارات معادية لدين بلده؛ بل على العكس من ذلك تماما فقد نجح هذا الشباب في إحداث التغيير باسم الدين كما حدث في مصر ويحدث في ليبيا الآن؛ ولم يحاول استغلال ورقة الدين والتطرف إلا المستبدون والاستئصاليون؛ الذين لطالما استغلوا هذه الورقة لخدمة مصالحهم الخاصة ومصالح الدول الإمبريالية لإجهاض مظاهر اليقظة والصحوة الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *