لا شك أن ما تم إفساده في عشرات السنين لا يمكن إصلاحه في ولاية حكومية واحدة، ولا شك أن من فتح عينيه وهو يقتات من جيوب المغاربة سيستسلم بلا مقاومة شرسة للعدل، ولا شك أن التعليم الفاسد لعشرات السنين والذي لا توجد رغبة في إصلاحه لا من قبل بلمختار ولا من قبل الهيئة المكلفة به لا يمكن إصلاحه في خمس سنين، فالتعليم بهذا الشكل الذي هو عليه وُضع لترسيخ الجهل وصناعة عقول يسهل التحكم فيها.
ولا شك أننا لسنا أمام حكومة منتخبة شعبيا مستقلة تماما تفعل ما تريد وليس لديها أية إكراهات داخلية وخارجية.
ولا شك أن قوى التحكم الذين يستفيدون من الريع لسنوات اشتغلوا -طيلة هذه السنين- على تكوين لوبيات وتكتلات إعلامية واقتصادية وعصابات يصعب تفكيكها بسهولة، ولا غرو أن الإعلام الخاضع لسلطة هذه القوى سيسعى في هذه السنة الانتخابية لإفشال تجربة الحكومة الحالية بكل الأشكال وتبخيس ما من إنجازات، ولا ريب أيضا أن صاحب التحليل البسيط والرؤية السطحية والثقافة المتواضعة سيتلاعب به الإعلام وبعقله كيف يشاء، وسيكون له في الحدث الواحد وفي اليوم الواحد أكثر من موقف.
وتقديم العدالة والتنمية لاستقالتهم ليسا حلا أيضا، ونحن نرى سوريا واليمن وليبيا وغيرها حيث وقع الاصطدام المباشر بين قوى الفساد وقوى الإصلاح وما نجم عن هذا الاصطدام، بمعنى أن الحكومة التي يرأسها حزب العدالة والتنمية ستتلقى العديد من الضربات في محاولة للقضاء عليها، وتسفيه جهودها، وتبخيس عملها، وشيطنة قراراتها، والإطاحة بها، لأن أعداء الإصلاح معهم الإعلام والمال والسلطة؛ والتاريخ حافل بالأحداث المشابهة، وستلعب هذه القوى على كل هذه الأوراق لإسقاط العدالة والتنمية، سواء من داخل التحالف، كما يقع الآن مع الأحرار (حزب التجمع الوطني للأحرار)، أو من الخارج كما يتابع كل المغاربة، ولمن أراد التحقق فليتابع عناوين الجرائد المعروفة بعدائها للعدالة والتنمية، كيف تصاغ عناوين الأخبار، وكيف تقلب الحقائق، وكيف تصور الأمور، لتلحظ حجم المؤامرة..
نعم؛ هناك قرارات صدرت عن حكومة بنكيران لم تكن موفقة، وكذلك هناك إرباك متعمد وممنهج للتشويش عليها، بالإضافة إلى أن هناك حدودا مرسومة لها لا يمكن أن تتجاوزها؛ إضافة إلى أن هناك حربا معلنة وخفية على وزراء العدالة والتنمية، وسيتم استغلال كل قرار خاطئ وتوجيهه إعلاميا وبقوة ضد عبد الإله بنكيران.
والقانون الانتخابي بالمغرب لا يضمن تشكيل حكومة دون تحالفات وهو الشيء الذي يؤثر على تنفيذ برامج الحزب الأول انتخابيا..
إن توصيف المشهد السياسي بالمغرب يطول لكن معالمه ظاهرة لكل منصف.. ونحن إزاء هذا الوضع الشائك أمام خيارات ثلاثة:
– مقاطعة الانتخابات التشريعية والذي يعني تقديم خدمات مجانية لقوى التحكم التي اعتادت شراء أصوات السذج، ومن ثم تكون انتكاسة في المغرب، ويعتبر الأمر حينها بمثابة نجاح الثورة المضادة ورجوع الاستبداد بقوة كما حصل بمصر وتونس.. إما عن طريق تصدر “البام” والذي يعرف الكل أصله وأهدافه ومواقفه من المغرب وهويته وقيمه، وإما عن طريق تصدر الأحزاب الوظيفية كحزب الاستقلال الذي بدأ بترتيب بيته الداخلي، ولعلكم تابعتم مصالحة 11 يناير، ثم ترجع الأمور إلى ما كانت عليه قبل 2011، ولكن بمكياج خفيف لتلميع وجه الحزب الذي سيتصدر.
– حركة احتجاجية شعبية ضاغطة بقوة، لضمان صلاحيات أكبر للحكومات المنتخبة شعبيا، والدفع نحو ملكية برلمانية، والتخلص من قوى التحكم ولو نسبيا وهو خيار صعب.. صعب جدا خصوصا في مثل مجتمعاتنا، ونتائجه ربما تكون كارثية ووخيمة وسيتحمل الشعب نتائجها وهو خيار ظروف نجاحه غير مهيأة في ظل الأوضاع الحالية لا على المستوى الداخلي أو الخارجي..
– مساندة العدالة والتنمية وتقويم اعوجاجها، والضغط عليها شعبيا، للإصلاح في ظل الاستقرار، والصبر على ذلك لولاية مقبلة، وإعطاؤها فرصا أخرى، دون إغفال التحرك الشعبي على كل المستويات لنشر مزيد من الوعي وتكوين نخب وطنية همها الإصلاح.
فهذه ثلاثة خيارات قد تحتاج إلى تفصيل أكثر وأشمل..
وفي ختام هذه الأسطر، أود أن أرسل رسالة مختصرة، لكل الأحرار: فاللحظة فاصلة، والتاريخ شاهد، ولن يرحم كل من ظلم ولو بشطر كلمة، في خضم هذه الأخبار الكثيرة، وأمواج المصالح المادية، والتطلعات الذاتية؛ يسود الكذب، ويطغى الغضب على الحلم، والسخط على الرضا، ومصلحة الذات على مصلحة الوطن، والظلم على الإنصاف.
فتعاملنا مع هذه الأحداث الوطنية المتسارعة يجب أن يكون بإنصاف شديد، فالإنصاف في ديننا قيمةٌ مطلقة ليست نسبيةً كما هي الحال في مناهج البشر وقوانينهم؛ فهي كلٌّ لا يتجزأ.. فإما إنصاف أو ظلم، وإما رجل منصف أو رجل ظالم؛ فلا يمكن أن يكون المرء منصفًا ظالما في آن واحد..
إن الحكم على الأشياء يكون بعد جمع كل المعطيات، والإحاطة بكل المعلومات، وإلا سنحكم عليها من خلال ما يريدون إعطاءه لنا من معلومات ومعطيات، وعن طريق منابرهم التي تعمل باحترافية عالية في قلب الحقائق وتزييفها وتوجيه الرأي العام بما يخدم مصالحها لا مصلحة الوطن.