شهادة الباكلوريا أي مصداقية لأي مستقبل ذ.أحمد اللويزة

أسدل الستار على موسم دراسي ساخن وحافل بالقضايا والمستجدات والصراعات بين عدة أطراف، والخاسر هو واقع التعليم ومستقبله بالمغرب الذي يعاني ظروفا صعبة، وكأنه ذبيح مدرج في دماء أو مخنوق ينتظر الفرج أو الموت. 

ولعل أهم ما يثير الانتباه ويشد المهتم إليه امتحانات الباكالوريا وشواهدها باعتبارها تتويجا لمسار دراسي يغلق باب التعليم المدرسي ليفتحه على التعليم الجامعي والتخصص في معاهد متنوعة وآفاق من المستقبل الذي يحلم به التلاميذ الحاصلون على هذه الشهادة التي فقدت مصداقيتها! ولم يعد لها ذلك البريق اللامع الذي ميزها لسنوات عديدة، قبل أن تصل مرحلة الانحطاط واللاقيمة، وهذا الكلام يخص الشهادة في حد ذاتها لا حاملها الذي صار عنده أغلى الأماني الحصول عليها بأي ثمن، لينطلق الاحتفال بهذا الحصول ولا أقول الإنجاز لأنه في غالبه الأعم لم يكن تتويجا لمسيرة من المثابرة، وإنما بعد تربص واحتيال بطرق عدة.
أبرزها الظاهرة التي أصبحت مقلقة إلى حد ليس بعدها مزيد، ألا وهي ظاهرة الغش الذي يعد مسارا يدرج عليه التلاميذ طول مسيرتهم الدراسية لا سيما في السنوات الإشهادية، لكنه بالنسبة للباكلوريا يعد عندهم قضية حياة أو موت، “إما أن نكون أو لا نكون”.
لذلك أصبح امتحان الباكلوريا يشكل عند التلاميذ لحظة استنفار لكل وسائل الغش التي توصلهم إلى الغاية المنشودة والهدف غير النبيل، وعند الأساتذة يولد عنهم هما وغما وقلقا بالغا؛ لأن الظروف التي يمر فيها الامتحان غير مناسبة ولا تساعد الاستاذ صاحب الضمير والفكر النقي على القيام بواجبه كما ينبغي، لأن التواطؤ هو أخطر ما في القضية غير العادلة بالنسبة للأستاذ الذي يريد أداء عمله؛ طاعة لله واستجابة لنداء الضمير وشعورا بالمسؤولية، من أجل هذا صار هؤلاء الأساتذة يشعرون بالذنب ووخز الضمير، وألم مؤرق لواقع التعليم وشهادة الباكلوريا بالخصوص.
ولما أعلنت الوزارة في بلاغ رسمي عن انخفاض نسبة الغش هذا العام لم يقبل ذلك جل المعلقين على الخبر لأنه لا مصداقية له؛ لعدم معاينة الواقع المزري الذي يعيشه الأساتذة ولا يقدرون على مجابهته لأسباب عدة؛ أهمها ما يتعرضون له من مضايقات من لدن الغشاشين مع انعدام تأمين الحماية قبل وقوع ما يقع أو تبني القضية بعد وقوع ما يقع لا قدر الله.
إن مسألة الغش في الامتحان صارت واقعا صعب الارتفاع لأنه ما من عام يأتي إلا والذي بعده أشد شراسة وإصرارا من لدن الممتحنين الفاشلين؛ الذين بلغت عدواهم المجتهدين؛ ولا عبرة ببلاغات رسمية تعاكس الحقيقة وتغطيها بغربال واسع العيون، لأنها تخاطب رأيا دوليا، وتلتزم أرقاما مبرمجة تريد الوصول إليها بأي ثمن، فتخشى انكشاف الواقع الذي لا شك سيحدث صدمة قوية وزلزالا شديدا، ويبين عوار المسؤولين على القطاع الذين يسيرونه بارتجالية وعدم فقه، وربما بنية مبيتة لقتله خنقا رغم اعتبار مسألة التربية والتعليم قضية وطنية بعد الوحدة الترابية؛ كما جاء في الخطاب الملكي السامي.
الغش صار حقا تلاميذيا لا يقبل النقاش، بل أكثر من هذا أن الاستاذ الذي يسعى في محاربته وعدم التجاوز عنه يعد في نظر الغشاشين يسير عكس التيار ويحرمهم من حق مكتسب بعد سنوات من النضال؟!
ولا غرابة أن يواجهك التلميذ بقوله أن ما تفعله “حرام عليك” و”عيب وعار”، لأنك تحرمه من النجاح غير المستحق، وأكثر في الغرابة أن يستدل بعضهم بالشرع حتى تمكنه من ذلك من قبيل: “أن الله يدعوا إلى التعاون و حب الخير”.. سبحان مبدل الأحوال.
إن غش التلاميذ ليس ظاهرة خاصة وإنما هي صورة عن واقع صار محكوما بثقافة الغش ينمو فيه الفرد منذ نعومة أظافره حتى يمارسه ربما وهو في منصب المسؤولية، فلا يتحمل التلميذ وحده الوزر لأن الأستاذ الذي يدرسه مارسه قبله ولا زال، كما في الامتحانات المهنية، والمسئولون يدعون إلى غض البصر أحيانا، والأب والأم يسألان الابن بعد الامتحان هل ساعدكم الأساتذة، وهل تركوا لكم فرصة للغش، فإن كان الجواب بلا فالويل للأستاذ من دعوات بالثبور والكساد، لأنه منع ابنهم من الغش الذي صار له طعم سائغ بعد أن كان فضيحة، وصار علامة على الذكاء بعد أن كان علامة على البلادة، وصار التلاميذ يفتخرون بذلك في ما بينهم، ويتحدثون عنه بكل بطولية وانتشاء، لا سيما من يحصل منهم على الباكلوريا دون أن يستعد لها ولو بمراجعة حرف واحد وإنما غش في كل ما امتحن فيه.
ما يدفعنا لنطرح سؤالا حول مصداقية هذه الشهادة التي ربما يحصل عليها بميزة حسنة ليكون مقدما على من ضحى وثابر لكن لم يوفق للحصول على ما حصل عليه غيره بالغش رغم مؤهلاته التي تحرم منها البلاد في نهضتها، ويتقدم الغشاش في المعاهد العليا ولا تجد غيره ممن هم أهل لذلك، هنا تضيع المصالح ويتعطل قطار التنمية الذي يأخذ حيزا كبيرا في الخطاب الرسمي.
وبين يديَّ قائمة من الأخطاء اللغوية والتعبيرية والإملائية الكارتية لمن هم حاصلون على الباكلوريا حتما، دالة وبدون “رتوش” على مستوى التعليم المنحط من قبيل (العقراة= العقارات، رجلون=رجل، أختون=أخت، بالكالم=بالكلام، وبذلك تكون هذه أولا، الإسلام له منهج محكر…) هذا غيض من فيض لمستوى متدهور مكفهر مليء بسحب الهم والغم والحزن على واقع مؤسف ومستقبل مجهول.
ثم لابد من أن نهمس في أذن كل غشاش لنقول له أن شهادتك التي نلتها عن طريق الغش وربما تخول لك معاشا أو وظيفة، نقول له إعلم أن ما تجنيه من ذلك إنما هو الحرام والسحت تقتات منه، وربما تبني منه أسرة وما بني على باطل فهو باطل “وكل لحم نبت من حرام فالنار أولى به”.
إن التعليم مع هذا الواقع في النزع الأخير، وإن لم يتم تداركه عاجلا غير آجل، وبسياسة حكيمة جذرية غير ترقيعية ولا استعجالية فإنه قريبا تشيع جنازته وهذا ليس تشاؤما، ولكنها الحقيقة التي نعيشها وتؤرق فئاما من العاملين في القطاع غيرة على الوطن وحبا له.
نرجو من الله أن يقيض لهذا المجال الحساس المرتبط بمستقبل البلد ككل من له غيرة حقيقية وإرادة صادقة ورؤية واضحة ثاقبة لينتشله من براثين ما يتخبط فيه، وإلى ذلك الوقت لا زلنا متشبتين بالأمل الذي لولاه لضاق العيش؛ وإنه لفي ضيق؛ عجل الله بفرجه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *