صفات الرب في الإنجيل المحرف الدكتور أبو حفصة الفاسي

في العدد 103 من هذه الجريدة المباركة، كنا قد نشرنا موضوعا يتعلق بظاهرة التنصير وظهور بوادرها في بلادنا، ومن أجل مساهمتنا في الحد منها وإبطال مفعولها، ارتأينا أن نصدر سلسلة من المقالات تتضمن مجموعة من الأدلة الواضحة التي تظهر فساد هذا الاعتقاد وارتباطه بالخرافة والدجل، نضعها بين يدي القارئ، لتكون له سندا ومرجعا يساعده على بيان الحق والنصيحة والدعوة لتجنب الوقوع في عقيدة النصارى؛ وإنقاذ من وقع في شبهاتهم من براثين الكفر عبر أيسر طريق.

لقد بين علماء الإسلام فساد عقيدة التثليث في العديد من الكتب العلمية، إلا أن شباب هذا العصر يتميزون عن سلفهم في العموم بضعف في اللغة العربية ومبادئ الديانة وقلة الاطلاع المعرفي والانصراف عن القراءة والمطالعة المفيدة، ودنو الهمة، يقابل هذا كله لهفة وتعطش في النواحي الرياضية وحفظ واستماع للأغاني الشعبية، واتباع ما يسمى بالفنون الجميلة والتي تجعل الكتب المطولة المتينة لا تجدي معهم نفعا.
ونحن في هذا لا نحملهم المسؤولية كاملة ابتداء، لأنهم نتاج برامج تعليمية وثقافية مستوردة، بل هم عصارة سياسة متبعة وخطط منهجية، ربط رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بين السبب والمسبِّب عند بيانه لها بذكره أن الإنسان يولد على الفطرة وأن التنصير والتهويد لا يأتي إلا عبر التربية، وكذلك التمييع والانحلال الخلقي قياسا، فهما أيضا خصلتان مكتسبتان.
لذلك ارتأينا ومن خلال ممارستنا اليومية في رد الأباطيل الإنجيلية عند حوارنا مع الغربيين المنصرين، أن من بين أيسر الطرق لرد أباطيلهم هو نشر النصوص الإنجيلية الواضحة الدلالة والتي تبين أن هذه الأسفار جمعت بين دفاتها من الخزعبلات التي يسخر منها حتى الطفل الصغير الذي مازال على فطرته ناهيك عمن درس وتعلم.
وقد قررنا جعلها على شكل مواضيع مبوبة، رتبناها حسب أهمية الموضوع، ننشر بإذن الله الواحد تلو الآخر، وهي عبارة عن مقاطع إنجيلية مرتبة على النحو التالي:
أولا: صفات الرب في الإنجيل المحرف، ثم يليه صفة الأنبياء في هذا الإنجيل، وبعده أحكام النساء، يليه ذكر بعض ما جاء فيه من العبارات المتناقضة فيما بينها، وأخيرا ذكر ما في هذا الكتاب الموصوف بالمقدس من كلام ساقط، لا زلنا نفكر في كيفية نشره لاحتوائه على معان يندى لها الجبين.
ونبدأ بموضوع صفات الرب في الإنجيل المحرف وهذا يستدعي أن نذكر أولا بما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة من دلالات تعريفية بالرب عز وجل وبشكل وجيز لأن هذا الموضوع يسهل الوقوف عليه في كتب العقيدة الإسلامية.
فنحن نعتقد بأن الله عز وجل له الصفات العلى، صفات الكمال التي يتنزه بها عن صفات خلقه وعن جميع صفات النقص أو الضعف أو العيب، فله الأسماء الحسنى والصفات المثلى، نثبتها له بلا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تحريف، ولقد احتفظت كتب النصارى ببعض هذه العقائد لأنها في الأصل من عند الله، لكنها حرفت ودخل عليها من التبديل ما يجعل النصارى يصفون الرب بأوصاف دنيئة يخالفها العقل وترفضها الفطرة، ومنها أن الله يتعب ويرتاح، وأنه يفعل الفعل ويحزن على فعله ثم يندم، ويصارع البشر وينهزم، ويأكل ويشرب، ويشبه نفسه بالحيوانات، وغير ذلك كثير جدا في الإنجيل المخترع، حتى أننا وجدنا صعوبة كبيرة لاختيار أنسبها لهذا المقال، وسنكتفي بذكر البعض منها، ونظن ذلك إن شاء الله كافيا وشافيا.
ومن أجل تعميم الفائدة وتيسيرها سنقوم فقط بسرد الفقرات الإنجيلية الفاسدة والتي يمكن الاطلاع عليها من خلال شبكة الانترنت، مع تعليق يسير عليها لنترك للإنجيل المحرف الفسحة الكافية ليعبر بنفسه عن نفسه قائلين لمن اتخذه منهاجا في حياته وكتابا مقدسا بينه وبين ربه ونبراسا يستضيء به ويهدي به إلى صراط منحرف، نقول له اقرأ كتابك، كفى به اليوم عليه شهيدا.
الرب في الإنجيل يتعب ثم يسترح ويندم ويتأسف على صنيعه
“وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا” [التكوين 2-3].
و”رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه، فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته، لأني حزنت أني عملتهم” [التكوين 6-5] “فندم الرب على الشر الذي قال أنه يفعله بشعبه” [الخروج 32-14].
ونقرأ أيضا ” ندمت على أني جعلت شاول ملكاً، لأنه رجع من ورائي، ولم يقم كلامي” [صموئيل الأول 15-11].

الرب ماشيا يبحث عن آدم، ويأكل ويشرب…
“وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت، فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت، فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها” [التكوين 3-8].
وفي قصة مضحكة أخرى، تجد المحرفين يقولون بأن الرب يأمر نبيه إشعياء بالمشي حافيا عريانا لمدة ثلاثة سنوات “تكلم الرب عن يد إشعياء بن آموص قائلاً: اذهب وحل المسح عن حقويك، واخلع حذاءك عن رجليك، ففعل هكذا ومشى معرى وحافياً، فقال الرب: كما مشى عبدي إشعياء معرىً وحافياً ثلاث سنين آية وأعجوبة على مصر وعلى كوش، هكذا يسوق ملك أشور سبي مصر وجلاء كوش، الفتيان والشيوخ، عراة وحفاة، ومكشوفي الأستاه خزياً لمصر” [إشعياء 20-2].
بل جعلوا الرب نفسه يمشي حافيا عريانا “قول الرب…من أجل ذلك أنوح وأولول، أمشي حافياً وعرياناً، أصنع نحيباً كبنات آوى، ونَوحاً كرعال النعام” [ميخا 1-8].
وكتبوا أن الرب يزور إبراهيم ليأكل عنده زبدة ولبنا “وظهر له الرب عند بلوطات ممرا، وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار، فرفع عينيه، وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه، فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض… ثم أخذ زبداً ولبناً والعجل الذي عمله، ووضعه قدامهم، وإذ كان هو واقفاً لديهم تحت الشجرة أكلوا… وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم”.
ثم أن الرب لا يدري ما يقع في أماكن أخرى: “وقال الرب: إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر، وخطيتهم قد عظمت جدا، أنزل وأرى هل فعلوا بالتمام حسب صراخها الآتي إلي، وإلا فأعلم” [التكوين 18-1]
تشبيه الرب بالحيوانات…
شبهوه بأنواع من الوحوش “فأكون لهم كأسد، أرصد على الطريق كنمر، أصدمهم كدُبّة مثكل، وأشق شغاف قلوبهم، وآكلهم هناك كلبوة، يمزقهم وحش البرية “[هوشع 13-7].
وشبهوه بالعث (الدودة) “فأنا لأفرايم كالعث، ولبيت يهوذا كالسوس” [هوشع 5-12].
وشبهوه بالمرأة المهجورة “لأن بعلك هو صانعك، رب الجنود اسمه.. لأنه كامرأة مهجورة ومحزونة الروح، دعاك ربك” [إشعيا 54-5].
بل جعلوه يطلق امرأته التي هي أمهم: “من أجل ذنوبكم طلَّقتُ أمكم” [إشعيا 50-1] ويفرح كالعريس “وكفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك” [إشعيا 62-5]، ووصفوه بالسكير: “استيقظ الرب كنائم، كجبار معّيط من الخمر، فضرب أعداءه إلى الوراء، جعلهم عاراً أبدياً” [المزمور 78-65]، وجعلوه يأمر نبيه حزقيال بأن يأكل كعك الشعير مخبوزاً مع فضلات الإنسان: “وتأكل كعكاً من الشعير على الخرء الذي يخرج من الإنسان، تخبزه أمام عيونهم وقال الرب: هكذا يأكل بنو إسرائيل خبزهم النجس بين الأمم الذين أطردهم إليهم” [حزقيال 4-12].
وذكروا أن الرب يأمر نبيا آخر بالزواج من زانية وتنجب له طبعا أبناء الزنى “أول ما كلم الرب هوشع قال له : اذهب خذ لنفسك امرأة زنا وأولاد زنا، لأن الأرض قد زنت زنىً تاركة الرب” [هوشع 1-2].
وفي موضع آخر “وقال الرب لي: اذهب أيضاً أحبب امرأة، حبيبةَ صاحبٍ وزانية، كمحبة الرب لبني إسرائيل”[ هوشع 3-1].
وأما داوود، فقالوا عنه أنه زنى بزوجة أحد جنوده وأوصى بأن يقتل هذا الجندي المسكين بجعله في مقدمة الحرب، ليستخلص زوجته لنفسه، وسيأتي تفاصيلها عند الموضوع المخصص للأنبياء، إلا أننا نقف مع هذه القصة العجيبة لنرى كيف يعاقب الرب الإنجيلي داوود لوقوعه حسب زعمهم في جريمتي الزنا والقتل:
“هكذا قال الرب: هاأنذا أقيم عليك الشر من بيتك، وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك، فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس، لأنك أنت فعلت بالسر وأنا أفعل هذا الأمر قدام جميع إسرائيل وقدام الشمس” [صموائيل الثاني 12-11].

وأخيرا صراع الرب مع يعقوب
وقد جعلوا نبي الله يعقوب يصارع الرب “فبقي يعقوب وحده، وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر، ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حقّ فخذه، فانخلع حقّ فخذ يعقوب في مصارعته معه، وقال: أطلقني لأنه قد طلع الفجر، فقال: لا أطلقك إن لم تباركني، فقال له: ما اسمك؟ فقال: يعقوب، فقال: لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت، وسأل يعقوبُ وقال: أخبرني باسمك، فقال: لماذا تسأل عن اسمي؟ وباركه هناك، فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل (رؤية الله) قائلاً: لأني نظرت الله وجهاً لوجه” [التكوين 32-24].
فهل بعد هذا من ضلال؟ -تعالى الله عما يصفون-.
وسيأتي بعده ذكر قصص الأنبياء من الإنجيل المحرف، لنرى زنى المحارم والخمر وذبح الأنبياء..
وأخيرا، ها أنت أخي القارئ قد علمت أن الذين كتبوا الإنجيل بأيديهم صاروا ينعتون الرب بصفات لا تليق حتى بالسفهاء من البشر، ونرجو ألا يطرد نصراني من بلادنا بعد اليوم، بل نأخذ بأيديهم شفقة ورحمة بهم، لأن من يتبع هذا السبيل بعد البيان، يستحق أن يجعل في خانة الحمقى.
ولا يسعنا أن نقول لمن أصر على اختيار هذا الطريق إلا كما قال الله عز وجل: “قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي، فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *