الاستغراب في الرواية المغربية المعاصرة -الحلقة الثانية- د. عبد الله الشارف كلية أصول الدين/ كلية الآداب تطوان

 

منذ مطلع السبعينيات، اهتم النقد الأدبي الروائي بالرؤية الواقعية، فقد كتب محمد برادة وإدريس الناقوري وغيرهما مقالات وكتبا في هذا الشأن، وتم توضيح مفهوم الواقعية كمنهج يقوم أساسا على رؤية معينة للأدب وعلاقته بالواقع.
“وليست الواقعية سوى واحدة من المقولات العلمية الشاملة والموضوعية التي تلخص موقفا وفكرة صائبة يؤكدان أن الأدب والإيديولوجية عموما، هما في كل زمان ومكان نتائج واقع بشري وثمرة تجربة اجتماعية معيشة1.
فالأدب إذن جزء من الواقع وأحد لوازمه، وكل تحليل يفيد في معرفة الواقع لابد أن يساعد كذلك على فهم الأدب، على اعتبار أن الأدب جزء من حركة الإنسان في العالم، ووسيلة من وسائل تعبيره عن علاقته بالعالم وعن تصوره له”.
ومن الناحية المنهجية، تبنى بعض النقاد المغاربة منهجا اجتماعيا جدليا “بصورته الكلاسيكية التي كانت سائدة في أوربا مع بداية هذا القرن”2. وعلى رأس هؤلاء النقاد، إدريس الناقوري، وذلك بالرغم من اعترافه في مقدمة كتابه “المصطلح المشترك” باستفادته من نظرية لوكاتش وغولدمان في الرواية.
ونجد أن منهج هذا الأخير البنيوي التكويني أكثر حضورا في الدراسات النقدية الأولى، التي تناولت فن القصة والرواية، وقد استعان بهذا المنهج عبد الكبير الخطيبي في كتابه “الرواية المغربية” بجانب المنهج الموضوعي كما عرف “رولاند بارت” في بداية مسيرته النقدية.
وقد اختار المنهج الكولدماني أيضا سعيد علوش لتحليل نماذج من الرواية المغربية في كتابه “الرواية، الإيديولوجية في المغرب العربي”. كما توسل به نجيب العوفي في كتابه “درجة الوعي في الكتابة” الذي يدرس فيه بعض الأنواع الأدبية بجانب الرواية والقصة.
وطبق هذا المنهج لحمداني حميد في أطروحته الجامعية “الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي”.
وقد “كانت البنيوية التكوينية بدقة مفاهيمها ووضوح أساسها النظري، مدخلا وأصلا من أصول الاهتمام بالباختينية3 التي استغل بعض الباحثين المغاربة في مطلع الثمانينات نظريتها الشعرية في دراستهم وأبحاثهم الروائية، وأخص بالذكر الأستاذين محمد برادة وأحمد اليابوري.
وساهم إبراهيم الخطيب في التعريف بنظرية المنهج الشكلاني من خلال ترجماته لبعض نصوص الشكلانيين الروس، التي حاول تطبيق بعض مفاهيمها على بعض الروايات المغربية في السبعينيات.
غير أن هذا النمط من الأبحاث لم يحظ باهتمام النقاد المغاربة نظرا لكون اهتمامها ينصب على الجانب الشكلي الفني للعمل الأدبي، وعلى النسق اللغوي الداخلي للنص الأدبي مع إهمال المرجعية الاجتماعية والتاريخية لهذا النص.
وهكذا “شكلت النظريات الغربية في مجال النقد الروائي، المصدر الأساسي إن لم نقل الحتمي الذي استقى منه النقاد العرب مفهوم الرواية. نظرا لحداثة هذا النوع من الأدب العربي وغياب تراث نقدي في مجال الرواية قد يمتح منه الناقد كما هو الشأن بالنسبة للشعر مثلا.
لقد كان النقد العربي، هو الوسيط الذي حمل إلى النقاد المغاربة بعض مفاهيم النقد الغربي وعمل على تعميمها في الساحة الغربية، لأنه عربها وطبقها على أعمال عربية محلية.
غير أن النقد الروائي بالمغرب يبرز بشكل واضح خلال المنتصف الثاني من السبعينيات أن النقاد المغاربة يتوفرون إلى جانب اطلاعهم على الكتابات النقدية الواردة من المشرق العربي على معرفة متفاوتة بالمصادر النقدية الغربية سواء في آثارها الأصلية أو التي ترجمت إلى العربية.
يفرض البحث عن المصادر النقدية المغربية التي اعتمدها النقاد المغربة في مفهوم الرواية، ملاحظة الارتباط النوعي بالثقافة الفرنسية لدى المثقف المغربي؛ كناتج عن ظروف تاريخية محددة، مما يدفع إلى القول بأن اللغة الوسيطة بين الناقد المغربي والناقد الغربي هي الفرنسية في أغلب الحالات، وأن تأثير النقد الأدبي في فرنسا ساهم ويساهم كعامل خارجي رئيسي في توجيه النقد المغربي وضبط مفاهيمه”4.
وإذا كانت المناهج النقدية المستوردة قد أفادت النقاد المغاربة الروائيين في فهم وتحليل وترشيد النص الروائي فإن استعمالها لم يخل من عثرات، كما كانت له سلبيات كثيرة. وسأقتصر هنا على مثال من تقديم الدكتور محمد الكتاني لكتاب “الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي”8 (دراسة بنيوية تكوينية).
وهكذا يرتبط الفهم الروائي عضويا بالوسط الاجتماعي، لأنه يعيش في قلبه ويتصل بكل شرائحه، ويصدر عن وعيه، ولكنه في نفس الوقت يخضع من حيث الشكل لقواعد (البنية) المتميزة فيه. ومن تطابق البنية الفنية والمكونات الموضوعية ينشأ مشروع المنهج المفسر لهذا الإبداع. وهو المنهج الذي يقترحه المؤلف في هذا البحث، غير أنه يتحمس له بالقدر الذي تتلاشى أمام عينيه كل سلبياته، فتمضي به غلواء الحماس إلى حد أنه يعتبر الروائي المبدع مجرد واضع للصياغة الفنية المناسبة للوعي الجماعي الذي يعتمل في ضمير الجماعة التي ينتمي إليها، أو الطبقة التي يعبر عنها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- إدريس الناقوري؛ المصطلح المشترك والنشر المغربية، ص:8.
2- الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي؛ حميد حمداني.
3- عبد الحميد عقار؛ ملاحظات بصدد قراءة الرواية المغربية.
4- فاطمة الزهراء أزوريل؛ مفاهيم نقد الرواية بالمغرب مصادرها العربية والأجنبية ص:60-61.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *