من تاريخ الكتاب.. إلى معرض الكتاب! ذ.طارق الحمودي

…صلينا الفجر ثم توكلنا على الله تعالى.. في برد قارس وظلام حالك.. بدأت رحلتنا من تطوان  إلى المعرض الدولي المقام هذا العام في الدار البيضاء.
تركنا الديار.. والأهل والأولاد.. لزيارة الكتاب!
تذكرت حينها كيف بدأ.. في بلاد الرافدين حيث كان السومريون يكتبون بالحروف المسمارية منذ أكثر من أربعة آلاف سنة على ألواح طينية ثم يتركونها في الشمس حتى تيبس؛ يكتبون عليها قوانينهم وتاريخهم ووثائقهم الإدارية والتجارية والسياسية.
ومصر حيث الهيروغليفية وأخواتها على أوراق البردي الملفوف الذي انتشر في اليونان الإمبراطورية الرومينية عن طريق الفينيقيين التجار من بلاد الشام وفي الصين حيث كتبوا على الحرير  وجلود الغنم وفي بلاد الروم حيث كتبوا على قطع الخزف المنكسرة والخشب.. وفي بيرزنطة حيث كتب بعضهم أيضا على جلود الأفاعي.. وفي بلاد العرب حيث نزل القرآن كتبوه أيضا على العظام ورق الغزال.. إلى أن اخترع (تسي لان) الصيني الورق المصنوع من الشباك القديمة والخرق ثم من لحاء الشجر والخشب ثم بلغ المسلمون الفاتحون مشارف بلاد الصين؛ ففتح قتيبة بن مسلم سمرقند سنة 751م ووقعت يده على حرفيين صينيين في صناعة الورق.. فأخذه العرب وأدخلوه بغداد ثم وصل إلى المغرب الأدنى والأوسط والأقصى ثم الأندلس حيث اشتهر الورق الشاطبي.. ثم وصل عن طريقهم إلى أوروبا في صقلية وإيطايا وفرنسا واشتهر المغرب بصناعته [1].
نمت هنيهية في السيارة لحاجتي إلى قليل من النوم  ولم استفق إلا عند محاذاتنا لمدينة القنيطرة على الطريق السيار حينما توقفت السيارة وخرج مرافقي فعلمت أن في الأمر شيئا.
كانت حرارة محرك السيارة ارتفعت.. ووجدت صاحبي يحاول معالجة الأمر، وكان خبيرا.. فهو ابن الطريق لكثرة سفره، أراد مفتاح براغي فلم يجده؛ فاستعمل درهما فسقط بين قطع المحرك وما وجده؛ ثم أخرج آخر فاستعمله وتم الإصلاح بنجاح فكان الدرهم رشوة للمحرك ليعمل…! ومفكا للبراغي..! ولعله كان له فيه مآرب أخرى!!
ثم عاودنا السير بإذن الله  تعالى، عاد إلي نشاطي بعد الاستيقاظ من النوم.. ومرت الكيلومترات واحدة بعد أخرى في كلام عابر بيني وبين مرافقي.
فأشرفنا على مدخل الدار البيضاء فعادت إلي معلومات عابرة عن الكتاب…!
في بلادنا المغرب ازدهرت صناعة الورق فكان في فاس وحدها زمن المرابطين أكثر من مائة مصنع، وازداد عددها زمن الموحدين وأتقن المغاربة صنعه.. وكانت حرفة صناعة الكتاب وتجليده وتسفيره معروفة عندنا[2] وقد وضعت في ذلك مصنفات؛ إلى أن تراجعت صناعة الورق في بلادنا وصرنا نستورد الورق من أوروبا وخصوصا من فرنسا بعدما ظهر الورق الأبيض؟
وسئل العلماء عن حكم استعمال الورق الأوروبي حين شكوا في طهارته فألف أبو عبد الله محمد بن محمد بن مرزوق الحفيد (المومي إلى القول بطهارة الورق الرومي) (المعيار المعرب 5/342) و(تقرير الدليل الواضح المعلوم، على جواز النسخ في كاغد الروم) (المعيار 1/107) وهو نص فتوى له في المعيار نص على تسميتها كذلك.
قاطع نشوتي في مراجعة تاريخ الكتاب وقد توقفت السيارة عند إشارة حمراء في وسط الدار البيضاء منظر لص يطالبه أحد ملاك بعض المقاهي بهاتف زبون له فأخرج اللص هاتفا محمولا فاستنكره صاحب المقهى وأشار بيديه فأخرج اللص هاتفا آخر فأخذه صاحبنا ورحل.. فاستغربت لكثرة ما سرق حتى أنه يخيره فيما عنده!
كان الكتاب قديما بردية ملفوفة ثم تطور في العهد الروماني إلى كراسات ثم انتشر الأمر وصار الكتاب من أعظم وسائل الاتصال والتوثيق للتاريخ وغيره، وانتشر كثيرا بفضل اختراع كوبرنيغ المطبعة؛ وكانت الطباعة الحجرية رائجة في الغرب تستعمل غالبا لطبع الرسول ثم دخلت المغرب قادمة من مصر وانتشرت الكتب الحجرية التي كانت تنتج في فاس[3] وانتقل المخطوط العربي الإسلامي إلى الغرب زمن الوجود الإسلامي في الأندلس وزمن الحروب الصليبية والاستعمار[4].
وظهرت المكتبات الخاصة والعامة في العالم كله وكان نصيب العالم الإسلامية منها كبيرا خصوصا المغرب[5] أقامها الحكام والعلماء والفضلاء وصرنا على ما نحن عليه الآن؛ وها هو معرض الدار البيضاء الآن أمام عيني وصوت خطيب الجمعة يرتفع من مكبرات الصوت في مسجد الحسن الثاني المطل على المحيط.. فانقطعت سلسلة المعلومات واشتغلنا بالإعداد لصلاة الجمعة.
بعد الصلاة دخلنا المعرض وكان كبيرا فاقتنيت أشياء حسنة منها  (الرد على النحاة) لابن مضاء طبعة قديمة وكتاب (المخطوط العربي من نشأته إلى آخر القرن الرابع الهجري) و(علم التوثيق والحفظ في الوطن العربي).
ثم عزمنا على الرحيل عائدين.. إذ كان الوقت قد تأخر.. ففاجأنا موكب عجيب لفتية يرقصون بطبولهم ودمى عملاقة لأناس سود الوجوه.. قطعوا الطريق.. وقفوا على مدخل مسجد الحسن الثاني!!
ثم ركبنا السيارة وأهدينا إلى شرطي مرور قطعا من الشكلاتة ففرح بها وشكرنا.. ثم انصرفنا عائدين إلى مدينتي تطوان.. في حفظ الله وكلئه.. وعيني على كتبي.. ذخيرة سفري.. وعزائي في تعبي.. والسفر قطعة من العذاب.
ومن أراد زيادة توسع فلينظر فيما يخص تاريخ الكتاب:
1- الكتاب في الحضارة الإسلامية؛ عبد الله الحبشي.
2- تاريخ الكتاب؛ منشور ضمن سلسلة عالم المعرفة في عددين العدد 169 و170 ترجمة محمد الأرناؤوط؛ الفصل السادس: العرب-الجزء الأول- 169 ص:217)؛ ألكسندر ستيبتشفيتش.
3- الكتاب في الحضارة الإسلامية؛  للجبوري.
4- تاريخ الكتاب من أقدم العصور إلى الوقت الحاضر -سفند دال؛ ترجمة محمد صلاح الدين حلمي.
5- تاريخ الكتاب؛ ألبير لابار. Histoire du livre  Albert Labarre
وفي خصوص تاريخ المكتبات أنظر أيضا:
1- المكتبات لعبد الحي الكتاني رحمه الله.
2- المكتبات في العصور الإسلامية؛ منصور محمد سرحان.

[1]  أنظر: -صناعة الورق؛ التاريخ والتقنيات؛ لدارد هانتير باللغة الإنجليزية.
– تاريخ الوراقة المغربية للعلامة عبد الهادي  لمنوني.
– تاريخ الكتاب من أقدم العصور إلى الوقت الحاضر -سفند دال- ترجمة محمد صلاح الدين حلمي.
[2] ذكر المنوني في تاريخ الوراقة مؤلفات في الموضوع هي:
– التيسير في صنعة التسفير لأبي عمرو بكر بن إبراهيم اللخمي الإشبيلي نزيل فاس ومراكش في عشرين بابا
[3] أنظر: المطبوعات الحجرية في المغرب فهرسة مع مقدمة تاريخية – ذ فوزي عبد الرزاق
معجم المطبوعات المغربية – إدريس بن الماحي القيطوني
[4] أنظر : رحلة الكتاب العربي إلى ديار الغرب – للدكتور محمد ماهر حمادة
[5] أنظر كتب (دور الكتب) للعلامة المنوني و(لمكتبات في الإسلام) للدكتور محمد ماهر حمادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *