سلسلة مرافعات في الدعوة السلفية المرافعة الأولى: السلفية.. و(التسامح) (4) (الصوفية والتسامح) ذ.طارق حمودي

كنت تحدثت أوائل هذه الحلقة بكل صراحة وصدق عن موقف السلفية من اتهامات الصوفية والعلمانية لها وللإسلاميين عموما بعدم التسامح.. وكان ذلك ظاهرا في رد التهمة في نحورهم، ولا زلت مستمرا في ذلك، لأنك عندما تحاول رحلة في تاريخ الدعوة السلفية -على قِدمها- ستجدها واحدة من المناهج التي نالها عدم التسامح من مذاهب تَقرب من العلمانية أو من نفس المذاهب الجديدة التي تتهمها كالصوفية.
ولا تبعد عنا فتنة خلق القرآن وما نال السلفيين منها في السجون وتحت السيوف من المعتزلة.. أدعياء العقل..! لاختلاف في المعتقد!
الصوفية والتسامح
لا يبعد عنا أيضا سعي الصوفية في كثير من المحطات التاريخية عند الأمراء والحكام لإيصال الضرر بالسلفيين بسبب الاختلاف أيضا في العقيدة.
وكان حبس ابن تيمية وما أدراك ما حبس ابن تيمية؛ الذي توفي فيه بسبب تسامح الصوفية وغيرهم من المتعصبة… وكذلك تلامذته.. وأخيرا وليس آخرا الشيخ الألباني والشيخ عيد عباسي على يد المتصوف محمد سعيد رمضان البوطي الذي ثبت تواطؤه مع النظام البعثي النصيري السوري.. والقائمة تطول!
لو كان حصل من بعض السلفيين تجاوزات في ذلك فهذا أمر طبيعي لأنهم بشر.. وليس لأنه من مقتضى المنهج السلفي الذي خالفوه هنا، لكن أن يخصصوا بذلك فالتاريخ يشهد في محكمة الوقائع والأحداث أن العقلانيين الذين حكَّموا العقل على الشرع؛ والصوفية الذين أبطلوا العقل قد بدر منهم ذلك بطرق أفظع؛ وبدون مسوغ.. ولو لشبهة..
ولست أنسى ما فعله المصريون المتصوفة بدعاة السلفيين الحجازيين في مصر وقتلهم إياهم بدم بارد.. وكذلك الأشاعرة في المغرب.. بالمرابطين.. وعدم تسامح صوفية تطوان مع شيخ شيخنا تقي الدين الهلالي معروفة.. والقائمة تطول!!
فإن قيل: هذه تصرفات شخصية ولا علاقة لها بالتصوف فسنقول: وكذلك…!
والغريب في هذا كله أنهم يتسامحون مع كل الناس والمذاهب والفرق والأديان وإن كانت البوذية.. ولا يتسامحون مع السلفيين.. مع أننا لا نقبل ولا نرضى أن يتسامحوا معنا تسامحهم القبيح.. ولا يشرفنا تسامح المداهنة والمهادنة.. كما سترى! بل نريد تسامحا ناتجا عن حوار شامل اجتماعي وعلمي!
عندما فكرت في طبيعة التسامح الذي يدعو إليه المتصوفة اليوم في المغرب ومصر وغيرها… ولاحظت السياق الحضاري والسياسي لهذه الدعوات التي يشهرونها على القنوات الفضائية على ألسنة بعض مشايخ الصوفية الذين تنار وجوههم بالأضواء الكاشفة؛ وتزين وجوه كثير منهم بالماكياجات النسائية؛ ويتصنعون الابتسامة المستدامة على شفاههم؛ وجدت رائحة نفاق وتقية.. وأحيانا رائحة تمييع لعقيدة الولاء والبراء القلبية.
قلت: القلبية لأنه كما سأذكر لا يلزم من ذلك أن لا نبر أهل الكفر إن سالمونا ولم يخرجونا من ديارنا كما أمر الله وسيأتي بيان ذلك.
فحينما رأيت مرة المدعو الجفري يُسأل عن بن لادن رحمه الله؛ وإن كنا نختلف معه في أشياء يعرفها الناس؛ اكفهر وجهه وأبدى امتعاضا وكاد يخرجه من الدين.. وحينما سئل عن بوش تغيرت ملامحه وابتسم ولان كلامه وخضع في قوله مشيرا إلى أن الصحيح أن يحاور… فسبحان الله! بحثت عن سر ذلك فكان ما وجدته خطيرا جدا..!
يقول الشيخ الأكبر.. والكبريت الأحمر عندهم.. ابن عربي الحاتمي الصوفي: (إياك أن تتقيد بعقد مخصوص، وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير، بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه، فكن في نفسك هيولي لصور المعتقدات كلها، فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد، فالكل مصيب وكل مصيب مأجور وكل مأجور سعيد وكل سعيد مرضي عنه) (فصوص الحكم بشرح بالي ص:191 ط؛ 1309).
فانظر إلى كلامه (إياك أن تتقيد بعقد مخصوص) أي إياك أن تعتقد دينا معينا لا تخرج عنه.. فكن مرة مسلما ومرة نصرانيا ومرة بوذيا فإن ذاك هو الخير كله.. فلا مشكلة..!
وقال:
لقد صار قلبي قابلا كل صورة *** فمرعى لغزلان ودير لرهـبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف ***وألواح تــوراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه**** فالحـب ديـنــي وإيـمـاني
وأما ابن الفارض فقصائده طافحة بذلك، قال العلامة عبد الرحمن الوكيل في كتابه (هذه هي الصوفية) (ص98/مكتبة أسامة): (حانات الخمر ومواخير الخطايا وصلوات اليهود وبيع النصارى وهياكل المجوس والصابئة وبيوت الأصنام ومجالس الذكر ومساجد الله كلها عند ابن الفارض ساح فساح، يعبد فيها الله عبادة يحبها الله ويرضاها)…هذا هو تسامح الصوفية..تسامح وحدة الوجود…! وهو تسامح مضاد للإسلام تماما!!
ويقول المستشرق جولدزيهر في كتابه (العقيدة والشريعة/ ص:151): (مهما تظاهر الصوفيون بتقديرهم للإسلام؛ فلغالبيتهم نزعة مشتركة إلى محو الحدود التي تفصل بين العقائد والأديان، وعندهم أن هذه العقائد كلها لها نفس القيمة النسبية إزاء الغاية المثلى التي ينبغي الوصول إليها).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *