تذكير الأنام بمخالفة “أزول” لتحية الإسلام مصطفى بن محمد متكل

السلام و”أزول” ترادف أم تنافر؟
يُشرِّع أنصار التمزيغيين استبدال السلام بأزول، لأنهما -كما يدّعون- في معنىً واحد، تنوب الثانية عن الأولى في كل موارد استعمالها، ويترتب عليها ما يترتب عليها من الأحكام والأجر، فمن قالها، فله حكم وأجر التحية الإسلامية، لأن الاعتبار بالأغراض لا بالألفاظ، وبالمعاني لا بالمباني، فإذا أدّت “أزول” القصد والغاية من التحية، فلا يُلتفت بعدها للفظ، هل هو عربي أو أعجمي.
ولنا أن نناقش هذا الاختيار من جهة المعجم والبناء الصرفي، لنستبين صحة هذا الترادف، من عدم صحته.
فـ”أزول” جملة مركبة تركيبا مزجيا، صارت بطول العهد بالتخاطب كلمة واحدة، فهي أصل في:
{أَزْ}={اقترِبْ}
{إِ}={من}
{أُولْ}={القلب}
فحُذفت الهمزة الأولى المكسورة، للاستثقال الحاصل من التقاء همزتين، فآلت المفردات بعد التركيب إلى :
{أَزْ} + {أُولْ}={أَزُولْ}.
وقد تكون بمعنى: اقترِب أيها القلب، على تقدير أن المحذوف هو الهمزة المفتوحة:
{أَزْ}={ اقترب}
{أَ}={أيّها}
{أُولْ}={القلب}
فتصير اللفظة أيضا بعد الدمج:
{أَزْ}+{أَُولْ}={أَزُولْ}.
وهذا النوع من التركيب معهود الاستعمال في اللغة الأمازيغية، خاصة في أسماء الأعلام، وأسماء المعاني، وأسماء البلدان مثل:
{تارودانت}={تَارْوَ}+{دَّانْتْ} بمعنى {الأولاد}+{ذهبوا}
{تليتماس}={تْلاَ}+{أَيْتْمَاسْ} بمعنى {لها}+{إخوة}
{توف إتري}={تُوفْ}+{إِتْرِي} بمعنى {أفضل من}+{النجم }
{تييطس} ={تِيِّ}+{يِّطْسْ} بمعنى {لِ}+{النوم}.
إذن كلمة “أزول” بكل تصاريفها البنائية مثل: ئزْولْ، وتِيزُولْتْ، وتِيزُولاَوِينْ، معجميا ليست مرادفا للسلام، ولا قريبا منه، فكيف يسوغ أن تقاس أحكامها على أحكامه، مع هذا البون الشاسع، والهوة السحيقة؟
أليس هذا حيادا عن العلمية، وتنكبا عن الحقيقة؟
أما معنى السلام في الأمازيغية، والذي لا يلهج به جلّ الأمازيغيين فهو: تَارُوتِينْ نَّاك، أو تَارُوتِينْ نُّونْ أو تَامَزَّالْت فْلاَّك، أو تِيفْرَات فْلاَّك . (انظر المعجم العربي الأمازيغي، محمد شفيق 1/539-540 ط: 1990/1410 مطبوعات المعهد الملكي).
فهذا هو المرادف للسلام، وهو الذي يجوز التحية به على مذهب القائلين بصحة الأداء بالمُتَرْجم، وليس أزول الذي لا صلة له بتحية الإسلام.
وعليه نقرر هذه النتائج :
1- لا يصح معجميا معادلة أزول بالسلام.
2- لا تُرتَّب أحكام السلام على أزول للفرق المتقدم.
3- لا يترتب أجر السلام على أزول.
4- لا يجوز شرعا تقديم أزول على تحية الإسلام.
وبهذه الاعتبارات حرَّم بعض المتشاعرين تقديم أزول على السلام، بل حكى الإجماع على تحريمه، لأنه تقديم المفضول على الفاضل، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، وهو ما يأباه العقل والشرع والواقع.
قال:
والكل عندهم
علاّمة
وابنه علاّم
و أزول بالاجماع حرام
بل الفرض السلام
أو حتى شلام
فبقولك به لن تلام
على أن قولنا بأنه لا يترتب على “أزول” أجر التحية الإسلامية، فباعتباره معادلا لها أو مقدَّما عليها، أما ذِكْره في العَقِب فلا شيء فيه، لأنه من الكلام الحسن الذي لا جناح على اللاهج به، ولا ضير عليه في إشفاعه به تَبَعا، بعد إنجاز مقتضى الشرع في الأداء الابتدائي.
وبهذا البيان المختصر، يظهر تهافت أدلة المتشبثين بالترادف بين الكلمتين، بل وتتساقط كل المستندات التي اتكؤوا عليها في شرعنة “أزول” بدلا عن السلام، كما فعل الأستاذ كمال هوبان في دراسته الموسومة بـ:أزول والسلام: وجهان لعملة واحدة أم اتجاهان متعاكسان؟ حيث حشر نصوصا قرآنية، وأحاديث نبوية، يؤصل بها -بزعمه- لشرعية التحية الأمازيغية بدلا عن تحية الإسلام، منها قوله تعالى: “وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا”.
وقوله تعالى: “ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا”.
وقوله تعالى: “وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا”.
وقوله تعالى: “وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً”
وقوله تعالى: “وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عدي بن حاتم: “اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة”.
وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: “لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “الكلمة الطيبة صدقة”.
فكل هذه الأدلة الشرعية التي استند إليها الكاتب المذكور في التأصيل والاستدلال، ليست محل نزاع ولا خلاف بين أحد، ولا حولها يدور النقاش والسجال، لأنها تفيد أن الكلام الحسن من مقتضى الشريعة، مطلوب من كل مسلم إيقاعه وإشاعته، وهذا لا يختلف فيه اثنان، ولا يتناطح فيه عنزان، وإنما النقاش حائم حول استبدال السلام بأزول، لا كون “أزول” كلمة طيبة أو لا.
إذن يجب أولا تحرير محل النزاع كما يقول الفقهاء، ثم سياق الأدلة الخاصة المفيدة للقضية، والمؤسِّسة للموضوع، وتقليبها على جميع وجوهها المحتمِلة، وإيراد الاعتراضات المفترضة عليها، لتتمحض للإدلاء، وتتخلّص للاستدلال، لا إقحام شيء في شيء، إيهاما بقوة المنزع، وصحة الأصول.
هل تحية أهل الجنة عربية؟
ومما له صلة بالموضوع، لسان أهل الجنة بالتحية، هل هو عربي أم لا؟
المستفاد من النصوص الشرعية أن تحية أهل الجنة: السلام عليكم، دلّت على ذلك أيات كثيرة منها قوله تعالى:
“دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ”.
وقوله: “وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ”
وقوله: “لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً”.
وقوله: “وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا”.
وقوله: “تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ”.
وقوله: “لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا إِلاَّ قِيلاً سَلاَمًا سَلاَمًا”.
هذا ما ورد به الشرع الحنيف في محكم التنزيل، لا ينبغي تجاوزه ولا تعدّيه إلى ما وراءه، من البحث عن حقيقة لغتها، وكيفية أدائها، والخوض في ذلك بالظنون الكاذبة، والإخالات المجردة، والرجم بالغيب، لأن عقولنا تَعْيَ عن إدراكها، وتقصُر عن تصوّرها، والسلامة كل السلامة في توكيل أمرها إلى الله تعالى، وتفويض علمها له -جل وعلا- لأنه أعلم بوجه المصلحة من حجبها، وأدرى بسر الحكمة من توريتها.
أما ما ورد من الأحاديث المُصرِّحة بأن لغة أهل الجنة -بما فيها التحية- عربية، فلا يصح اعتباره في ميزان النقد الحديثي، لذلك حكم عليه النظّار بالاطّراح والإهمال، منها مثلا:
– ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي” (سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 160 وحكم عليه الألباني بالوضع).
– ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أنا عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي” (سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 161 وحكم عليه الألباني بالوضع).
ويجمل بهذا المقام أن نسوق كلاما نفيسا لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بيّن فيه الموقف الشرعي، الذي يجب على المسلم أن يعتقده في لغة أهل الآخرة، ويتعبد الله به.
سئل رحمه الله: بماذا يخاطب الناس يوم البعث؟ وهل يخاطبهم الله تعالى بلسان العرب؟ وهل صح أن لسان أهل النار الفارسية، وأن لسان أهل الجنة العربية؟
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، لا يُعلم بأي لغة يتكلم الناس يومئذ، ولا بأي لغة يسمعون خطاب الرب جل وعلا، لأن الله تعالى لم يخبرنا بشيء من ذلك ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، ولم يصح أن الفارسية لغة الجهنميين، ولا أن العربية لغة أهل النعيم الأبدي، ولا نعلم نزاعا في ذلك بين الصحابة رضي الله عنهم، بل كلهم يكفون عن ذلك لأن الكلام في مثل هذا من فضول القول.. ولكن حدث في ذلك خلاف بين المتأخرين، فقال ناس: يتخاطبون بالعربية، وقال آخرون: إلا أهل النار فإنهم يجيبون بالفارسية، وهي لغتهم في النار. وقال آخرون: يتخاطبون بالسريانية لأنها لغة آدم وعنها تفرعت اللغات. وقال آخرون: إلا أهل الجنة فإنهم يتكلمون بالعربية. وكل هذه الأقوال لا حجة لأربابها، لا من طريق عقلٍ ولا نقل، بل هي دعاوى عارية عن الأدلة. والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.اهـ. مجموع الفتاوى 4/299.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *