كيف نُكرم من أهانه الله؟! محمد بوقنطار

 

لا يأل جهدا بعض ممن على سبيل المثال لا الحصر يكتب “السوط” بالصاد هكذا “الصوط”، من بعض مترفي علمانية الفيسبوك في جل ما يخاله كتابة، ويحسبه فكرا وثقافة، أو يعتبرها خرجات وازنة تمارس حظها الباسل القادر بمعيّة حجته المرجوحة على استصغار شرائع الوحي، وغمط رعيل القرون المفضلة من تاريخ الأمة، ورميهم وهم من هم؟ قلت رميهم بما يعيشه هو ونوعه وشواكله من تسفل أخلاقي ونقائص، بل ويدافع عن هذا النمط من العيش برمح القلم وسنان اللسان، ويتعاطى بفرط تطفيف وجهد مدخون مع التراث الإسلامي، في مقابل لهجه ولهجهم جميعا وأشتاتا حد التغنج بسيرة الآخر، وتغنيهم في كل خراجتهم بكلمات ليست كالكلمات وألفاظ لها وقعها في مسار تعظيم مدنية هذا الآخر وتقديس حضارته وجل أنفاسه ولحظاته، بل الانحناء حد الإخبات والإنابة، وتمريغ الناصية وغمسها في رغام وافده المعلب الصقيعي، وتلك ولا شك أمور ومتواليات نحسبها ونَعدها خصلة من صميم شعب النفاق المعاصرة، تلك الخصلة المحمومة التي تستدعي من الجميع، وخاصة من كان له سمع أو ألقاه وهو شهيد، قلت تستدعي العمل الجاد المسؤول والهادف المتطلع في إخلاص إلى تحصين شباب الأمة وحقنهم بالمضاد الإيماني الذي يحميهم من تطور هذا المرض العضال مخافة وخشية احتمال تحوّله إلى جائحة تكون فيها قلوبنا شتى ثم يذهب ريحنا ولو بعد حين.

وإنّما كان هذا وشكل في رقعتنا المستهدفة والمتربص بها اتجاها وحالة ما فتئت تتغوّل ويعظم قبيح سعيها، وقد أوجدت وفتحت في وجهها وفي وجه كبرائها وصغرائها هذه الثورة التواصلية أبوابا كانت موصدة عسيرة التأشير، كما أعطتها هامشا كبيرا متنوعا من المنابر اسطاع جلُّها عبرها أن يكر بخيله ورجله باغيا في جراءة على الأخضر واليابس، حتى صارت الجراح المعرفية في مناخنا العام والخاص دامية، والأعراض الأدبية والتاريخية جريحة مكلومة، وسيقان العلم وأفنانه مكسورة عليلة…

وإنه لوزر ينوء به هذا الجيل الذي رضي بالتبعية العمياء نظاما، واعتقد بيقين في كل وافد صقيعي أنه شريعة لا تقبل النقاش، وقرر فيه حكمه الحاسم على أنه ذو طبيعة وصبغة فورية التنفيذ، مضمونة النتائج والمحصلات في ثوبها القشيب وجانبها الإيجابي المطلق، إنه ولا شك جيل مهجن قد بُرمِج تفكيره، وانضبط ركزه على تبخيس كل ما له صلة بهويتنا، بل وانكفأ ساعده وانكمشت قبضة كفه عازمة رائمة تهشيم تراثنا الأخلاقي الأصيل بمعول الحداثة الجانحة، في مقابل توقير الغرب والاستبشار في انحناءة تحية منه أمام كل دخيل…

إنني ما فتئت أستغرب للساكت عن هؤلاء، أو الداعي إلى تجنب مناطحتهم بالعبارة مؤثرا الحوقلة في عَبرات مسكوبة دافقة من مقل المغلوبية والمساكنة في ذلة فكرية وهوان معرفي، ذلك أنني لا أزال أعتقد وبيقين لا يخامره ريب أو جَرَم أن السكوت عن هؤلاء وتركهم يعيثون بأقلامهم وأفمامهم في الأرض فسادا وإفسادا، هو ترك من شأنه أن يساعد على انفرادهم بشباب الأمة، سيما وأن هذه الأجيال قد خبت جذوة الإيمان وأفل شعاع الانتساب وارتخى حبل الانقياد للدين في جوفها، وصار وجدانها يتلمس في انبهار بمدنية الآخر الحواجز والموانع الحائلة بينه وبين هذه المدنية الضاربة في طنب التقدم والإغراء المادي، وبالتالي فقد بات يعتقد في أحكام الشريعة ومضامينها أنها الأفيون المسؤول عن صرف مسلمين ودولتهم عن قبلة التحضر ومحراب التطور وامتلاك القوة المادية

تدخل إلى صفحاتهم التواصلية فتجد أنهم طفقوا يخسفون على خيبتهم من ورق مختبر صناعة الاتهام، ثم بعد ذلك وتزامنا مع ضجيجه رفعوا شعارهم الذي استهلكوه في سماجة وأعني به شعارهم المشروخ “العلمانية هي الحل”

ويا له من شعار، ويا له من تلبس بخطيئة، ذلك أن مجرد إيمانهم بهذا الشعار كاف للحكم على تطفيفهم، وزعمهم الإصلاح وهم المفسدون كما قال جلّ جلاله:” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون” (البقرة:11)، ولا شك أن الذوق العام والعقل الجماعي ليشهدان بالصوت والصورة والرائحة وأصداء الأثير ومحبور اليراع أن من ندافع بالحسنى ونجادلهم بالتي هي أحسن هم أناس قد انفصلوا عن الواقع، بل اعتزلوه في تقوقع وانكفاء عن ذواتهم المريضة، التي أصابتها حمى الوافد الصقيعي، حيث صاروا وباتوا وأمسوا وأصبحوا يصارعون أشباحا وخيالات لا حقيقة لها ولا وجود، والمحزن المؤلم أنك في كثير من الأحيان وحينما تبحث أو حتى تفكر في البحث عن دوافع هذا الاعتناق أو التلبس فلا تكاد تعثر عن أي اعتبار موضوعي، بل كثيرا و دائما ما تجده عبارة عن تمريض جرح وكلوم مضرجة (بتشديد الراء وتضعيفها) بموقف شخصي يكون فيه محل (أي الإسلام) صب العداوة وإفراغ حمولة المناكدة والمناكفة غرضا للنكاية ليس إلا.

ولعلني أسأل، وحقيق بي أن أسأل أصحاب هذا الشعار المستهلك شريطه المشروخ وأعني به شعار “العلمانية هي الحل”:

هل قولكم هذا يلزم منه ويعني أن الإسلام ما فتئت أحكامه وشرائعه تصول وتجول، وتضبط وتقيّد، وتخيط وتفصل، ولها الكلمة والشأن في السياسة والاقتصاد والسياحة والتجارة والقضاء المدني والجنحي والجنائي، بالله عليكم خبروني وأفتوني في أضغاث أحلامكم؟ ولست أدري أكان هذا التباكي منكم عن عمد وسبق إصرار وذلك الذي نرجحه؟

أم هو الغباء وقد انضاف إليه الحقد والتحامل والتطفيف فأغشى الأبصار وترك القلوب صلدة؟

إن الواقع ليشهد في إنصاف وتجرد أن الإسلام بات هو المغيّب المقصي المُبعد عن هذه الحقول الحيوية، والمحاسب في الآن نفسه، الواقع في قَدَرَةِ المسؤولية التقصيرية عن أي كساد أو إفساد أو تردٍ أو قهقرة قد تقع، فحتى بقايا سلطة وضع يده تنظيما ورعاية وصيانة باتت أطلالا محصورة في فصول معدودات من مدونة الأحوال الشخصية أو مدونة الأسرة، ومحاصرة من كل صوب واتجاه، بحيث لا يزال طيفهم الحاقد الناقد الناقض يتهارش عليها تهارش جحود ومناكدة.

إن المنصف المتجرد في طلب الحق ليعلم بل ليتذوق، ويلمس، ويرى أن حجم السطوة والنفوذ المتسنى للعلمانية وللعلمانيين في الوطن العربي برمته في ازدياد وتعاظم وتضخم وتغوّل، وذلك كائن وكان من يوم أن خرج الاستعمار وقد أوكل قضاء حاجاته ومآربه لهذه الأصناف المُخاتلة، فلا تزال هي إلى يوم الناس هذا تمارس دورها اللعوب في أمانة وإخلاص لبؤرة الموقد الغربي، مدعية زاعمة الإصلاح والإنقاذ والانفكاك عن مرجعية رجعية ظلامية، ومُقَاوِمة لاستبداد وتسلط “ثيوقراطية” أفيون الشعوب، ونعني به كما تعني هي هاهنا إسلامنا ذلك العظيم المجحود المقاصد.

إنها للأسف سخائم لا تزال تفسد الزرع، وتهلك الضرع، وتمتح من نبع الحقد وفرط كراهية، في إمهال من الله وحلم منه سبحانه، وليس هو بغافل عما يعمله الظالمون، حتى إذا قيل لها كفي وكفكفي دموع المظلومية، وإنّما هو من فصيلك غلو وتطرف وبطر للحق وغمط لأهله، وحقد يُورث من قلة نخبوية الخصومة إلى ثلثة شعوبية العداوة، أخذت هذه الثلة العزة بالإثم، وذلك ديدن المأفوكين عن آيات الله وعن تدبرها، المجافين لمراد الله منها، الجاهلين جهلا مركبا لسننها الكونية والشرعية.

ولا ريب أن هذا شأن، من يمارس النقر، ويقتمش القمش الرديء، ويحطب ليلا ويجمع ساقط الآثار والمرويات وما تشابه من الكتاب ليهز أو ينسف ثقة المسلمين في تراثهم، ويفتنهم في دينهم، ويشككهم في مطلق مصداقية كتابهم، ويتهم نبيِّهم بمقبوح الخصال، ويزدري مكانة صحابته الأفاضل الأكارم وهم من هم؟

وهو من هو؟

وكيف لك ولغيرك أن تُكرم من قد أهانه الله وقد قال جلّ جلاله:”ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء” (الحج18).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *