سؤال ساذج بعد كل هذا الخراب المنظم.. ماذا تريد أمريكا في المنطقة؟

لم يعد هناك حاجة بواشنطن إلى التقية منذ جهرها بزواج المتعة الذي كان سرياً مع نظام الملالي محتكر التقية ومتخذها ديناً..
اللعب أصبح جهاراً نهاراً، ومع ذلك يفاجؤك بعضهم بغياب عقولهم -بل حتى أبصارهم- عن الساحة الشعورية..
إن ما يجري في سائر أنحاء البلاد الإسلامية ولا سيما في المشرق والمغرب العربيين، يجري على الهواء مباشرة، حتى إن الأسرار النمطية انحصرت في التفاصيل العملية حرصاً على إنجازها لا أكثر.. فأما الخطوط العريضة فأصبحت أشد سماكة من أكبر عنوان يتصدر الصحف اليومية عادة.
لنقف قليلاً عند نقطة شديدة اللمعان حالياً، هي مدينة عين العرب -كوباني عند المتعصبين الكرد- التي تقع في أقصى الشمال السوري، وتتاخم الأراضي التركية مباشرة.
عمدت أبواق الغرب الضخمة إلى التهويل من شأنها، حتى أصبح التندر بذلك ممارسة يومية: يجهل الأمريكي العادي أين تقع حلب نفسه- ثاني مدينة في سوريا- ولا يعرف موقع سوريا نفسها على الخريطة، لكنه يعلم موقع عين العرب بدقة!!
وبينما يهوّل الإعلام من أهمية كوباني والصراع عليها بين داعش وحزب العمال الكردستاني، تجد وزير الخارجية الأمريكية يهوّن من شأنها، ويتكلم عن احتمال سقوطها قريباً في يد تنظيم الدولة وكأنه مبتهج بذلك!!
بين التهويل الإعلامي والتهوين الدبلوماسي، يتجلى الخبث المتعمد من خلال الإيحاء بتقصير تركيا ضد داعش لدفعها إلى محرقة إطلاق الدولة الكردية التي تهدد أمنها القومي في العمق!!
وها هو «مجلس الأمن» يقرر منع المقاتلين الأجانب من الدخول إلى سوريا ثم يطالبون أنقرا بتسهيل دخول غلاة المقاتلين الكرد التغريبيين إلى كوباني لنجدة حزب تصنفه تركيا وأمريكا -!!- في نطاق المنظمات الإرهابية، وهو يصف تركيا رسمياً بالعدو!!
وحتى في ذروة احتياج هذا الحزب العجيب (شيوعي نصيري حليف للشيعة مع أن حافظ أسد سلّم زعيمه أوجلان إلى جنرالات تركيا سنة 1998م- هذا الحزب في ذروة احتياجه إلى الدعم التركي رفض زعيمه في سوريا صالح مسلَّم أن تتبع مناصروه -ولو شكلياً- إلى ما أبقته أمريكا من فتات الجيش الحر!!
طبعاً لا يوجد مغفل ليسأل -جاداً- أين أمريكا ومجلس الظلم الأممي من 28 ميليشيا رافضية تقاتل إلى جانب النصيري بشار.. فالأجانب المعنيون عند الصليبيين والصهاينة واليهود هم أهل السنة تحديداً مثلما صرّح بذلك «لافروف» منذ ثلاث سنوات.. فالطيران الأمريكي يتعامى عن غربان السفاح التي ما زالت تمطر مدن وقرى الشام ببراميل حقدها؛ كما تعامى عن قطعان حزب اللات التي تلغ في دماء السوريين وألغت عملياً الحدود بين سوريا ولبنان.. مع أن الحزب مُدْرَجٌ على قائمة الإرهاب الأمريكية..
وأمريكا تكلف -بصفاقتها- المبعوث الدولي لسوريا دي مستورا، أن يحض تركيا على السماح للكرد الأتراك بعبور الحدود لمساندة قوات صالح مسلم ضد داعش!!!
بينما ما نعرفه -من ثرثرة ومزاعم دولية- أن مهمة الأمم المتحدة وموفديها هي إيقاف الحروب، و حض الناس على تسوية مشكلاتهم سياسياً!
وكان من مهازل البيت الأبيض إطلاق العنان لنائب الرئيس الأمريكي المخرّف باكراً جو بايدن لاتهام تركيا والسعودية والإمارات بأنها تدعم الإرهاب، ثم اضطر إلى سحب هرائه خلال 48 ساعة!!
إن مهزلة الحرب على الإرهاب كلها باتت تثير الغثيان.. إذ كانت في بداياتها انتقائية مضحكة مبكية في التصنيف الذي يشمل جهات ويستثني جهات بحسب مصالح الغرب وأهوائه (الكيان الصهيوني أبرز الغائبين مع أنه أكبر إرهاب دولي منظم في التاريخ..).
لكن العالم كان على موعد مع طريقة أشد فجوراً منذ اندلاع الثورة السورية حيث أصبح وجود الإسم على القائمة لا يعني أن صاحبه عدو فعلي لأمريكا؛ مثلما ثبت بالنسبة إلى نيرون العصر بشار الأسد وحزب اللات.. وها هو حزب العمال الكردستاني ينضم إلى لائحة الفضيحة الأمريكية الكبرى..
ولعل هذه المآسي الدامية كانت وراء مقالة قوية كتبها الصحافي البريطاني المعروف سيمون جينكنز في الجارديان بعنوان: «الضربات الغربية للدولة الإسلامية مصيرها الفشل الحتمي…. فأين المعارضة»؟
وقال فيها: إن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ملأ مؤتمر حزب المحافظين الأخير بهراء حول قطع الرؤوس والأشرار واغتصاب النساء وقتل الاطفال وكيف أن المملكة المتحدة ليس أمامها خيار في عدم المشاركة.
وانتقد الكاتب استخدام كاميرون المتكرر لأسلوب الابتزاز بعنصر التخويف ونقل القتل لشوارع بريطانيا قائلاً: إن عدم التفرقة بين الجرائم التي ترتكب في بلد آخر والأمور المتعلقة مباشرة بالأمن القومي وهو ما لا يليق بزعيم لبلد ديموقراطي!!
المســلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *