تكمن أهمية التقويم التربوي الأساسية في حياتنا اليومية وفي حياتنا المدرسية أنه من خلاله يمكن التعرف والحكم على المستوى التعليمي والمعرفي للمتعلم وعلى النتائج المحصل عليها من طرفه، في فترة زمنية معينة، وكذلك يعم هذا النوع من التقويم كامل الأنشطة الحياتية، والتقويم يسمح لنا بالتشخيص، والحكم على المتعلم حكما وصفيا أو كميا، وقد ارتبط مفهومه في الغالب بالتلميذ، فبمجرد ما يذكر مصطلح التقويم، نتجه لا شعوريا تجاه التلميذ، في حين أن التقويم في العملية التربوية غير خاص بالتلميذ، فهو يشمل المناهج والأهداف التربوية، وعمل الأساتذة، وكفاية الإدارة التربوية، ومدى نجاعة مساهمة المراقب التربوي في التأطير، والسياسة التعليمية والاستراتيجية التربوية بهدف الرفع من جودة عملية التعلم، وتطوير المناهج أو إصلاحها، أو تغييرها، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية التربوية العليا، التي رسمتها الدولة.
كما يعتبر اليوم من بين الركائز التي تنبني عليها منظومة التربية والتكوين، والذي أضحى في نظري لا يمكن أن الاكتفاء به بتقسيماته المعروفة عند البيداغوجيين والتربويين في التقويم التشخيصي والتكويني والإجمالي، إذ لا بد وأن نعلم ونعرف أن أصوله مستقاة من سيرة السلف الصالح، فهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «قال حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا».
فهذه كلمات رنانة ورسالة مختصرة لكل مربي الذي توجد في نفسه حرقة على أبناء وطنه، فالتقويم والمحاسبة هما وجهان لعملة واحدة، وإذا كنا نقوم بالتقويم من أجل الرقي، ومن أجل الوقوف على مواطن القوة والضعف، فكذلك المحاسبة تقوم على محاسبة النفس ومحاسبة أخطاء الإنسان والإحاطة بها سواء الضعيفة منها أو الجيدة.
إن أساس المنظومة هو التركيز على مبدأ المحاسبة والمحاكمة، فبدونها سنصبح أمام واقع ومنظومة واهية لا أصل لها، وسنفتح علينا باب العشوائية والارتجالية في اتخاذ القرارات، على عكس هذا تكمن أهمية الإصلاح والتغيير من خلال ذواتنا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله”.
فالجسد يمكن أن نشبهه بالمنظومة التربوية فإذا اشتكت ركائزها تشتكي المنظومة بأسرها، فالتقويم من بين العناصر والمدخلات للإصلاح، فإذا تم إصلاحها سيكون هناك إصلاح وتقدم وازدهار في جميع المجالات والعكس صحيح، لأن المنظومة تحوم وتدور حولها كل المجالات فتعتبر البؤرة والشعلة لازدهار الشعوب، وحتى لا أنسى في هذا المقال المتواضع أن أوصي نفسي وكل مربي بأن يقوم بتقويم لنفسه أولا، وألا يكون في مرتبة من يزعم بلسان الحال أنه لا يخطأ، فمن خلال المتعلمين يمكن لهم أن يعطوه ملاحظات دقيقة في كيفية التعامل معهم، وألا يعتبر نفسه أستاذا ذكيا فطنا، فخير الكلام أن يجرب هذه الرسالة.
إذن تكمن أهمية التقويم التربوي هو أن في تشخيص الداء وتقديم الدواء فلا يكفي أن نقوم بالتقويمات الثلاث المعروفة دون أن نقف على مواطن الضعف لتطويرها وتنميتها، وكذا نقط القوة لتحسينها، وهما يبقى السؤال مطروحا إلى أي حد يمكن أن نعتبر التقويم من ركائز تقدم المنظومة؟ فمن خلال هذا التساؤل لا بد وأن نقول بأن لكل مربي خطوات منهجية، لابد من أول حصة له أن يقوم بتشخيص المعارف والمكتسبات السابقة للفئة المستهدفة، ثم النقطة الثانية لا بد فيها من تقديم حصصا للدعم والمعالجة كي يعرف مدى تحقق المعارف التي قدمها في الحصص الأولى، ولكن مع الأسف الكثير منا ينفر من هذه المسألة، وقبل الختام لابد وأن أحيطكم بأنواع التقويمات، وهي كالتالي:
التقويم التشخيصي: وهو التقويم الذي يستهدف منه الاطلاع على مكتسبات المتعلمين في بداية الحصة، ومعرفة تمثلاتهم، والإحاطة بفروقاتهم الفردية، والاطلاع على تعثراتهم.
التقويم التكويني: وهو تقويم يصاحب العملية التعليمية من بدايتها إلى نهايتها، ويكون الغرض منه تقديم الدعم اللازم للمتعلمين أولا من خلال الوقوف على مواطن الضعف عند المتعلمين.
التقويم الإجمالي: وهو التقويم الذي يكون آخر الحصة، أو آخر الدورة، أو آخر المجزوءة، وهو (تقويم مرحلي) لأن يقوّم المتعلم في مرحلة معينة، فهو (تقويم جزئي).
أما الصنف الثاني وهو التقويم النهائي وهو الذي يكون آخر السنة، ويكون الغرض منه إصدار حكم عام على المتعلم إما بالنجاح أو الرسوب.
التقويم الإشهادي: وهم التقويم النهائي المرتبط بشهادة، ويكون آخر سلك من أسلاك المنظومة[1].
وللتقويم وظائف مهمة منها: تشخيص الأهداف التي يمكن للمؤسسة التعليمية الوصول إليها، المساعدة على اكتشاف مواطن الضعف والتخلف الدراسي وأسبابه لدى التلاميذ، لتسهيل عملية التوجيه، واكتشاف الموهوبين، والمتخلفين المحتاجين للدعم والتقوية، مساعدة الأستاذ على التعرف على مستوى تلامذته ومشاكلهم النفسية والاجتماعية المعيقة لعملية التعلم، واختبار الأساليب والطرق التي يستعملها في التعليم، ومساعدة الإدارة التربوية على تصنيف التلاميذ، وتقسيمهم إلى مجموعات متجانسة، ليسهل توزيعهم على الأقسام، ومعرفة مدى ملاءمة المناهج مع الأهداف المرسومة، ومساعدة الأسر والآباء على معرفة حقيقة مستوى أبنائهم التعليمي، وإعطاء صورة واضحة لأصحاب القرار عن الواقع التعليمي، الشيء الذي يساعدهم على تطوير المناهج والمقررات أو تغييرها، حتى تتناسب وطموحات مجتمعنا المغربي.
وأخيرا قد يكون حافزا للتلميذ، للرفع من مستواه التحصيل، والزيادة في الجهد للحصول على نتائج أفضل في الامتحانات النهائية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مدخل إلى علم التدريس، سعيد حليم، طبعة الأولى 2015، ص 100.