العنوسة هو تعبير عام يستعمل لوصف الأشخاص الذين تعدوا سن الزواج المتعارف عليه في كل بلد، وحسب إعلان المندوبية السامية للتخطيط الذي صدر مؤخرا فإن ظاهرة العنوسة في بلدنا الحبيب عرفت ازديادا ملحوظا وانتشارا واسعا في صفوف الإناث، فليس بالأمر الهين أن خمسة وثلاثين أنثى من مائة، وممن هن محلا للزواج واقتران بشريك الحياة لا يوفقن إلى زوج، ويدخلن في دوامة الانتظار المر، فهذه النسبة المخيفة أصبحت ظاهرة بالمقياس العلمي.
وليست الأنثى لوحدها من تؤرقها شبح العنوسة، بل المجتمع بأكمله تؤرقه، فما من أنثى إلا ولها أسرة تهتم لمستقبلها؛ فتفرح لفرحها وتحزن لحزنها، والزواج هو محطة رئيسة في حياة الإنسان وخصوصا المسلم والمسلمة.
وإذا كانت للعنوسة أسباب متنوعة فإنه لا يمكن أن يختلف اثنان أن أعظم سبب في وجود هذه الظاهرة المخيفة المؤرقة وأشده هو قلة فرص العمل بالنسبة للشباب الذكور، فالشاب إذا استقر في عمل يحقق له كرامة عيش، ولو في مرتبتها المتوسطة، فإنه لا يتردد في الاقتران بشابة للزواج، وقد تكون تلك الشابة غير عاملة، بخلاف الأنثى لا يمكن لها أن تقدم على الزواج بشاب عاطل لاعتبارات عدة.
ولهذا، فالمدخل الحقيقي والصادق والعملي للتخفيف من ظاهرة العنوسة هو تهيئة فرص العمل للشباب، وأي حديث عن حلول أخرى مع تجاهل هذا السبب الرئيس يكون بمثابة الحديث عن مسكنات للمرض وهو ينتشر في جسم المجتمع.
ورغم اقتناعي الكبير بهذا التشخيص وإيماني بهذه الحقيقة، فهذا لا يمنعني أن أتحدث عن مسكنات وحلول ترقيعية تخفف -ولو بنسبة قليلة- من انتشار هذه الظاهرة، ومنها هذه الحلول:
– القبول بالعيش المشترك في أسرة الشاب، والعودة إلى مفهوم العائلة الكبيرة التي كانت في عقود قريبة مضت وكانت رحمة للمجتمع، فإن العيش المشترك سيقلل من نفقات كثيرة، هي عبء كبير على الشاب، والتي من أهمها السكن والمأكل، فما المانع أن تقبل أسرة الشاب وعلى رأسها الأبوان بوجود عروسين جدد داخل المنزل، رغم أنه سيكون هناك متاعب ومشاكل -وهذا أمر معلوم معروف- ولكن يجب أن نتحلى بالصبر والواقعية، فإدخال السرور على الشابين أعظم أجرا عند الله وأرحم لهما وأنفع للمجتمع؛
– قبول أسرة الشابة بأن يعيش زوج ابنتها معها إن كانت هناك إمكانية، وهذا الأمر لم يكن معروفا في مجتمعنا من قبل، لكن لا مانع شرعا ولا عقلا أن تتقبل أسرة الشابة والمجتمع هذا الوضع، بل هذا سيكون من محاسن الأعراف التي ستشكرها عليها الأجيال اللاحقة؛
– انخراط الجمعيات والمؤسسات غير الرسمية التي تهتم بالعمل الخيري والإنساني في التفكير الجدي في وجود حلول واقعية تتعلق بتيسير موضوع السكن للشباب؛
– إقدام الرجال القادرين ماديا ومعنويا على التعدد، فإن تشريع تعدد الزوجات في الإسلام هو حل اجتماعي معقول المعنى قبل كل شيء، وليس هو عبادة محضة، ومحاسن تشريع التعدد لا تخفى على أحد إذا ما تم تنزيله بحكمة ومسيجا بضوابط، منها منصوص عليها في الشرع، وأخرى قد يجتهد فيها أهل العلم حسب الحاجة والمصلحة الشرعية.
أما ما نراه الآن من شروط تبنتها مدونة الأسرة الحالية فهي شروط مجحفة يراد منها تقزيم أصل مشروعية التعدد وإغلاق نافذة الرحمة وسد باب الواقعية التي أتى بها التشريع الرباني حتى نكون صريحين واضحين. وإذا طلبنا من المتزوجين القادرين على التعدد فنحن في الوقت نفسه نطالب زوجاتهم بتفهم الأمر، ولا تكن الغيرة سببا مانعا من تقاسم حظنهن من أزواجهن مع أخوات لهن في الإسلام. ونعرف مسبقا أن هذا التفهم لن يكون بالأمر السهل على الزوجة الأولى، ولكن إذا علق الأمر باحتساب الأجر عند الله يمكن أن ينزل بردا وسلاما عليها؛
– مطالبة النساء غير المتزوجات سواء العانسات أو غير العانسات الجهات المسؤولة بتعديل قوانين مدونة الأسرة التي تضيق على تعدد الزوجات، فإذا كانت الخارجات عن القانون المطالبات بالإباحية قد رفعن أصواتهن لأجل مطلبهن الرخيص، فالجدير بكن أن يكون صوتكن أعلى لشرف طلبكن ومشروعيته شرعا وعقلا وقانونا.
– التزام سياسة تدبيرية أو ما يسمى بالتمييز الإيجابي فيما يتعلق بسوق العمل، فيقدم الشاب على الشابة إذا كانت هناك فرص قليلة للعمل، والحكمة من هذا التمييز الإيجابي هو أن الشاب إذا توظف أو عمل سيدفعه ذلك إلى فتح بيت الزوجية وإن كانت الشابة التي سيتزوجها بلا عمل، بخلاف العكس، فالشابة العاملة لا تقبل بزوج عاطل.
وأخيرا، أرجو أن تجد ظاهرة العنوسة اهتماما بالغا من جميع مكونات المجتمع، فالاهتمام بها تعبير صادق واعتراف حقيقي بحقوق المرأة.