الاحتلال الفرنسي.. والتأسيس للدعارة القانونية بالمغرب

لما دخل الاحتلال المزدوج، الفرنسي-الإسباني، للمغرب كان يضع نصب عينيه، إفساد أخلاق هذه الأمة والقضاء على دينها، وتدمير بنيتها المعرفية، القائمة على الشريعة الإسلامية، من خلال الترويج للانحلال والدعارة، حيث بلغت أماكن تواجد البغاء الرسمي في إحدى الفترات حوالي 36 موقعا.
فبدعوى حرية التصرف كما يتصورها الفرنسيون، وباسم الحرية، طفت ظواهر وانحرافات، لم تكن معروفة في المجتمع المغربي، منها مواخير الدعارة العلنية الرسمية، بحماية قانونية، حيث خصصت لها أماكن معينة ومعروفة، في كل مدينة، مثل حي مولاي عبد الله بفاس، ووقاصة بالرباط، والمرس بمكناس، وبوسبير بالدار البيضاء، وعرصة موسى، وعرصة الحوت، بمراكش، حيث نشط الجلاوي في هذا المجال و أصبح له مواخير في مدن متعددة بالمغرب وخارج المغرب. كما يذكر ذلك غوستاف بابان.
ففي سنة 1894 فتح نادي أنفا أبوابه بالدار البيضاء، وكان عبارة عن مرقص يضم فرنسيات، وفي نطاق التنافس دشن النادي الإسباني برامجه بمجموعة من الإسبانيات مغنيات وراقصات، وهكذا أدخل الرأسماليون الفرنسيون والإسبان، إلى المغرب أشكالا جديدة من البغاء، وظهرت عادات وطقوس غير مألوفة في ميدان تسلية زبناء الجسد بالمغرب، ثم عززت الحكومة الفرنسية ذلك بترسانة من القوانين، حيث أصدرت في 16/2/1924 تقنينا للبغاء بمرسوم يسمح بفتح منازل رسمية له، وتحدد سن المرأة في 21 عاما، وفي سنة 1954 غيرت الإدارة الاستعمارية المرسوم بشكل خفض السن إلى 16 عاما، كفاح المغاربة 129 وانظر بيان مختصر من الأمة المراكشية 10.
ومن المغاربة الخونة الذين باعوا أنفسهم واحترفوا القوادة المقننة الباشا الجلاوي حيث أصبح “من كبار حماة دور الدعارة في المغرب” روبير بارا في كتابه: justice pour le maroc ;Paris,editions du seul ;1953 ;p.72 ، وأول مستثمر في هذا الميدان واتخذ لذلك مكانيين كبيرين هما: عرصة موسى، وعرصة الحوت، بمدينة مراكش، وكان يجلب لهما العاهرات من مختلف الجهات، اللائي كان قد نظمهن بواسطة مسيرات قابضات، ويشرف على الجميع المسمى “الحاج البياز” والذي كان يجمع منهن آخر كل ليلة وقبل وسط النهار، ما جمعوه من كراء الفروج، بطريقة عادية، وبلا خجل ولا وجل، كمن يقبض ثمن كراء أوبيع أي سلعة أو بضاعة
والذي نافس الجلاوي بمعدل 10% هو باشا فاس، فبعدما بلغه من خبر مداخيل الجلاوي اليومية، قام بفرض إتاوة على من لها مجموعة من العاهرات تدفعها أسبوعيا، كما تقول رواية مساعديه، لكنه بعد زمن وقد تحقق من نمو المكاسب شيد لنفسه ماخورا باسم فندق مشرف على الباب الجديد وبالقرب من داره، خصصه للدعارة بحماية من اليوطي. انظر التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير الجزء 9 الصفحة 219 وما بعدها.
ونظرا للحجم الكبير الذي بلغته الدعارة في المجتمع المغربي، قام “جان سيل” المستشار في مجلس الاتحاد الفرنسي يوم 27 غشت 1953م بتقديم رسالة، باسم المجلس الوطني للمنظمات النسائية الفرنسية، إلى وزير الخارجية الفرنسي تطالب بمنع القوادة في إفريقيا الشمالية وخاصة بالمغربBarrat. Justuce.Op cit p.271. Robert.
وفضحت الرسالة البرلماني الفرنسي”فالوكز Falcoz” الذي يملك أسهما في بيوت الدعارة التي يشرف عليها الباشا الجلاوي،
ورفع رئيس فرع منظمة حقوق الإنسان بالمغرب احتجاجا إلى الحكومة الفرنسية على السماح بفتح أماكن جديدة للاتجار في الرقيق الأبيض La Croix 30 octobre 1953 aussi: Revue abolitionniste. Janvier 1955. P58، وانظر كتاب كتاب كفاح المغاربة في سبيل الاستقلال لعبد الإله زيد.
هكذا شجع المحتل الدعارة وعمل على تعميم الانحلال الأخلاقي في أوساط الفئات الأكثر فقرا، وقصد بذلك إماتة النخوة والغيرة والشهامة والقضاء على الرقابة والحس الاجتماعي وضرب المغاربة في دينهم وثقافتهم وتقاليدهم، وجعل منها أداة للتجسس وإلهاء قطاع واسع من فقراء الشعب على الانخراط في الجهاد دفاعا عن دينه وأرضه، ثم النضال من أجل التحرر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وبعد خروج المحتل من هذه الأرض وإغلاق حي الدعارة بامتياز، “بوسبير” بتاريخ 16 أبريل 1955 وباقي دور الدعارة المقننة، انتهى عهد الدعارة الكولونيالية في المغرب، لكن نبتت بعدها دعارات مستترة حينا، وسافرة متحدية أحيانا كثيرة، لازلنا نعاني من آثارها وتبعاتها لحد الساعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *