يعرف الصيف بحرارته وشمسه المشرقة الدافئة، ومن نعم الله عز وجل علينا أن رزقنا بحارا وأنهارا، من طرق استغلالها السباحة فيها؛ وللسباحة فوائد كثيرة، وهي من أهم الرياضات التي ينصح بها والتي مارسها الأقدمون لعظم فائدتها على البدن وعلى بعض الأحوال النفسية، وهذا ما سيبينه لنا الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله الذي خص لأدبها فصلا في كتابه الرقراق “جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب”، حيث قال رحمه الله:
“أدب السباحة
كتب بعضهم في ذلك ما مثاله:
كان الأقدمون يهتمون بأمر السباحة اهتماما عظيما، لأنها تقوي العضلات وتنشطها دون أن تتعب البدن تعبا شديدا، وهذا الفن هو بدون شك من أقوى المروضات البدنية، فالسباحة تجمع بين الرياضة والنظافة، فضلا عن أنها تجعل الاستحمام بالماء البارد مقبولا عند الأطفال، حتى وعند الكبار الذين لا يحسنونها، ولا شيء ينشط القوى العضلية ويسكن الجهاز العصبي ويزيد خفة ومرونة الأنسجة مثل رياضة السباحة، وهي فضلا عن ذلك تهيج القابلية وتساعد على الهضم وتحسن تغذية البدن وتعدل وظائف الرئتين والقلب وتزيد في الصفات العقلية قوة ونشاطا.
قال حكيم: “يخشى بعض الناس من غرق الأولاد على أني لا أرى للآباء عذرا على هذا الخوف، لأن الولد إذا غرق وهو يتعلم السباحة، أو غرق لكونه لا يحسنها، فاللوم في الحالتين عائد على ذويه لأنهم لم يراقبوه وقت تعليمه أو لأنهم أهملوا تعليمه.
ولا ريب أن السباحة هي من أقوى العوامل التي تعود الصغار على احتمال تغيرات الطقس من حر إلى برد، وتقوي أجسامهم فلا يصابون بالهزل ولا يكونون معرضين لاعوجاج العمود الفقري، ذلك لأن السباحة تنشط البدن بوجه العموم فتكسب الجلد صلابة ويتسع بها الصدر لأنها تقوي العضلات الممدة له.
وليس علم السباحة بالأمر الصعب فلا يلزم للإنسان سوى بعض الحركة الخفيفة ليبقى عائما على وجه الماء.
وفوائد السباحة كثيرة منها:
أولا: انتعاش البدن ببرودة الماء، لا سيما في فصل الصيف، بسبب ما يفقده الجسم من الحرارة وقت الاستحمام.
ثانيا: ترويض الأعضاء بسب ضغط الماء على الجسم وتموجه.
ثالثا: تنبيه الجلد وتنظيفه وانفتاح مسامه وزيادة مرونته، وكل هذه المفاعيل تحسن الصحة، وتكسب الأنسجة الضعيفة صلابة تساعد الجلد على القيام بوظيفته المهمة وهي إفراز بعض الفضول السامة مع العرق، فالسباحة والحالة هذه تفيد المهزولين وأصحاب المعي الضعيفة والمصابين بالأمراض العصبية، وترد النوم لأجفان المصابين بالأرق، وتنعش قوى الجسم بوجه العموم حتى لا تعود تغيرات الطقس تؤثر فيه، ولا سيما فعل البرد، وتقيه النزلات الصدرية.
ولكي يحسن الإنسان السباحة لابد له من الابتداء بتعلمها منذ حداثة سنه، وعلى السابح أن يتنفس بكل هدوء وسكينة، ويتصور أن الماء مستند طبعي، وأن يترك الوهم والخوف جانبا، ولا يلزمه أن يصلب أعضاءه كما يفعل الكثيرون عندما يحاولون السباحة لأول مرة، بل يلزمه أن يتراخى ويحرك ساقيه ويديه بكل تأن وبلا عزم، لأن إجهاد القوى لا يفيد شيئا ولكنه مضر يتعب السابح.
هذه هي أهم الأمور التي يجب على الإنسان أن يعرفها إذا أراد تعلم السباحة، وإذا اتبع السابح النصائح التي ذكرناها ولا سيما عدم إجهاد قواه يبلغ من الإتقان شأوا بعيدا، لأن ما ذكر من قواعد السباحة مأخوذ عن عوّام شهير قطع البحر سباحة بين فرنسا وإنكلترا (خليج المانش) وذلك غاية ما وصل إليه الإنسان من إتقان فن السباحة.
وما أحرى القاطنين على سواحل البحر وشواطئ الأنهر، ومن يقضي فصل الصيف على السواحل، أن يهتموا بتعليم أولادهم السباحة، وأن يتعلموا معهم إذا كانوا لا يحسنونها لأنها تفيد أجسامهم، كما ذكرنا، وربما كانت سبب نجاتهم من مخالب الموت، وفي المثل الدارج: “الذي يحسن السباحة له عمران”.