حين يتكلم عود الثقاب في منقبة الحجاب

حينما يتكلم الرويبضة ليحذر من الحجاب فإنه لا يختار بديلا عن هذه الكلمة خدمة لرسالته, يقول بنو الجلدة: “إن الحجاب ظاهرة من شأنها أن تعيدنا إلى الوراء”، وكلمة الوراء يفضل هو أن ينبس بها مُجْمَلة بعيدة عن أدنى تفصيل وعليه يحق لصاحبة الحجاب أن تستفسر عن أي وراء يقصده القاصد وما علاقة لباسها الفضفاض مع فشل المخططات الخماسية والسداسية صاحبة المدى المتوسط والبعيد؟

وقد تأخذني الغرابة كيف أن بعض الناس يرزقون هذه الصفاقة في الدعوة إلى المنكر والخروج على الناس في ثوب الناصحين الأشراف, لكن من يستسهل المناكر لا يكبر عليه التزوير، ولا يعجزه استحسان السوء، وقديما كان فرعون يذبح ويملأ الأرض فسادا ثم يخاطب قومه بلسان الناصح الأمين:” إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ”

إرادة كونية أن يخرج علينا بين الفينة والأخرى أناس بهرطقات وسفاهات، وهم وإن فرقتهم جغرافية الأمصار وغايرت بينهم عوامل اللغة والملة والنحلة فهمّهم واحد وقد أمسكوا جميعا بيد من تراب مكبرات صوت تكفلت بإشاعة قعقعاتهم وفرقعاتهم وأضغاث أحلامهم، فمنهم من قام لينذر ومنهم من جلس ليحذر من هذا الطوفان القادم والزلزال المدمر والمعول الهادم، كما يطيب لألسنتهم أن تصف دين الإسلام ورموزه، ولقد تميز أسلوبهم بكلمات واحدة مشتركة، سواء كان اللسان عربيا أو أعجميا، تكاد تكون كالإشارة في عرف الذين بهم صمم وبكم, لكن ما يهمنا من هذا السيل العرم كلمة تروق لهم وهم على منابرهم أن يعبروا بها عَمَّا اختلج في صدورهم، حتى إذا فار تنور أحدهم خرج علينا وهو يحمل طاقم فمِه لينعت عقيدتنا بأنها باتت تشكل قشرة سميكة تحول بينهم -هُمْ أهل الحداثة- وبين لب التطور والمعرفة والرقي، وتمثل منعطفا خطيرا يحيل الأمة إلى الوراء حيث الظلامية والقهر والاستبداد..، وفاتورة الأوصاف طويلة عريضة سميكة عنوانها: الحذر من الوراء، وموضوعها: ذم الحجاب والنقاب، وزكاتها: صعود الأحرار إلى سطح القمر واكتشافهم للكوكب الأحمر، وحسابها الختامي: تأدية صكوك الرضا وفروض الطاعة والولاء إلى السيد الأبيض رغبة في المنهل من عالمه السحري حيث العيش الرغيد والكرامة والمساواة وحيث الحداثة والحرية…
هذه الكلمات تلوكها ألسنتهم كما تلوك البغايا العلكة، حتى إذا أعياها الدلك والعلك طرحتها مرَّة تدوسها الأقدام على قوارع الطرق، فما أتعسها من معدة تحركها النواجذ والأنياب ولا يصلها من الغداء إلا الوهم والسراب.
حينما يتكلم الرويبضة ليحذر من الحجاب فإنه لا يختار بديلا عن هذه الكلمة خدمة لرسالته, يقول بنو الجلدة: “إن الحجاب ظاهرة من شأنها أن تعيدنا إلى الوراء”، وكلمة الوراء يفضل هو أن ينبس بها مُجْمَلة بعيدة عن أدنى تفصيل وعليه يحق لصاحبة الحجاب أن تستفسر عن أي وراء يقصده القاصد وما علاقة لباسها الفضفاض مع فشل المخططات الخماسية والسداسية صاحبة المدى المتوسط والبعيد؟
ثم إن من حقها وهي على أرض صلبة أن تعرِّي بِيَدٍ من بأس عن هذه القذارة النفسية التي ألبسوها ثوب العفة والترفع، وأن تفضح مداراة هذه البراثن الملوثة في قفازات من حرير.
وقد تأخذني الغرابة كيف أن بعض الناس يرزقون هذه الصفاقة في الدعوة إلى المنكر والخروج على الناس في ثوب الناصحين الأشراف, لكن من يستسهل المناكر لا يكبر عليه التزوير، ولا يعجزه استحسان السوء، وقديما كان فرعون يذبح ويملأ الأرض فسادا ثم يخاطب قومه بلسان الناصح الأمين:” إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ”، ولأن المرء لا يلدغ من الجحر مرتين فإننا بفضل الله وعنايته لن نأذن لهذه التيارات، حمراء كانت أو صفراء، أن تهب سمومها على حقولنا ومزارعنا، أو أن تتسلل إلى نفوسنا وبيوتنا، بل لن نتوانى عن الاشتباك معها بكل ما لدينا من فكر وصواب حتى يتسنى لأجيال الحاضر أن ترث ما ورثناه عن أجيال الوراء، وحينما نقول الوراء فإننا نعني به حقا وتفصيلا ذلك الماضي المشرق من تراث النبوة وتعاليم السماء، نعني به حضارة ذلك الجيل الفريد من الصحابة والتابعين، حضارة كانت تجبى إليها مكوس الأرض ويعود إلى بيت مالها خراج الغنيمة والديمة, وعلى الأقل لا يجد المرء حرجا أو ضيقا عند إطلالته على ذلك الماضي التليد يوم كان الرجل الأبيض يدفع الجزية عن يد صاغرة حفظا لماله وعرضه بل ونيل الإذن من أجدادنا الأسياد ليساكنهم.
فياليت شعري لو أنك بيننا يا عمر ويا صلاح الدين، وقد اجتمعنا لنستصدر قرارا من هيئة الأمم المتحدة يدين، وفقط يدين، إرهاب بني صهيون في غزة وأريحا وبيت حانون.
وياليتك بيننا وقد انتصبت يد “بولتون” ليعلن بسبابته صاحبة “الفيتو” إلغاء قرار الإدانة والإدانة فقط، فما أبسط أحلامنا وما أقبح جرأتهم، وما أبئس حاضرنا الذي نخشى عليه من ذلك “الوراء”.
تلك إذن، أيتها الأم والصاحبة والأخت، أزمتنا مع الآخر، وإننا لنجمل الصبر حينما يواجهنا السيد الأبيض، لأن أزمتنا معه لها من المبررات العقدية والفكرية ما يجعلها على قساوتها هينة وعلى حرِّها باردة، لكنها بالمقال أزمة تشتد وتربو عدوانيتها حينما يتكلم بنو جلدتنا، وحينما يتحولون إلى مجرد عيدان ثقاب بين أصابع الآخر وعجبا منهم عندما ينعت الواحد منهم الحجاب بالسلبية والرجعية، فيلتفون حوله للدفاع عن قوله ومقالته، ثم يتحولون، عنه لتجدهم هذه المرة في الصفوف الأولى يحملون الشارات والشعارات ويرددون الكلمات والكلمات منددين ومحتجين ضد تلك الرسوم المسيئة لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وضد الأفعال الدنيئة الشنيعة التي ارتكبت في حق كتاب الرحمن الرحيم, ومع أننا ندرك وكما يدركون أن الحجاب والنقاب لم يكن لباسا تتميز به حضارة المجوس أو الهنود الحمر، بل هو لباس جاء به سيد المرسلين ونص عليه كتاب رب العالمين ولأننا ندرك هذا فلا غرابة أن نتساءل عن جدوى خروجهم واحتجاجهم ضد قردة مهجنين أساءوا لرسم القرآن ورسموا سرابا ضد سيد الخلق أجمعين، مع أننا ندرك فهل هم يدركون أن تعطيل نصوص القرآن والاستهزاء بسنة نبيِّ الرحمة هو أدهى وأمر من سلوك أولئك القردة المستنسخين.
فإلى هذا الصنف من الرجال وإلى هذا النوع من الذكور نوجه السؤال بالوكالة عنك أيتها الطاهرة العفيفة فنقول: إذا كان ارتداء الحجاب من شأنه أن يقوض حركة المجتمع، وأن يزيغ بها عن جادة التطور والازدهار فما هي إسهامات السفور والعري ولباس ما يصطلح عليه “البين بين” كبديل في حركية المتطلعين بهاماتهم صوب الركب الغربي المتطور؟!
إننا -وباختصار- أمة حينما نتطلع إلى العدل في أبهى صوره نرجع وبالفطرة إلى أرشيف عمر الفاروق لنعيد لمفردة العدل بريقها، قبل أن نعيد للفرد طمأنينته وهو يتذوق العدل قولا وفضلا, وإننا كذلك حينما نفتقد العفة والحياء، وحينما يصير السفور والتبرج والعري والإباحية عنوان شوارعنا، فإننا لا نتوانى في العودة إلى ذلك الوراء، لنقتدي بجبل فاطمة الزهراء ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك الجيل الذي تخرج من مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام، ولنقف وبإجلال لمواقف الشريفات العفيفات الحافظات للغيب ولنتذكر يوم جاءت إحدى السيدات وقد أجهدها مرض الصرع مشتكية للنبي صلى الله عليه وسلم من حالة العري التي تنتابها وهي تصرع، فخيرها الرحمة المهداة بين الصبر ونيل الثواب، وبين الدعاء فالشفاء، فاختارت الصبر على المرض، ولكنها لم تقو على أن يتكشف عضو من جسدها وداخل بيتها وأمام محارمها وليس داخل أطول درب وأمام أثقب عين… فدعا لها الرسول صلى الله عليه وسلم، بالستر فانصرفت راضية مطمئنة صابرة محتسبة.
فهذا نموذج من بضاعة “الوراء” وهذا حرف من كلمة طيبة وورقة من شجرة باسقة مورقة أصلها ثابت في الأرض وفرعها متصل بالسماء وهذه واحدة من أمهاتنا فسموا لنا أمهاتكم وهي الأشياء بضدها تتفاضل وتتمايز ولن نقول وكعادتنا هلك الناس حتى لا نكون هلكاهم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *