من مفهوم البيئة إلى التربية البيئية ذ.محمد بلهادي*

العلاقة بين البيئة والتربية علاقة وثيقة وليست بجديدة، فالتربية تقدم في المضمون التعليمي معلومات بيئية متعددة ذات ارتباط بالمجتمع، وهي لم تقم أصلاً إلا لتعليم ما هو موجود في البيئة وطرق الإفادة منها، ولهذا ظهرت الدعوة إلى الأخذ بالمدخل البيئي أو التربية البيئية، التي تأخذ فيها البيئة وضعًا جديدًا باعتبارها وسيلة وغاية، فالبيئة مصدر إثراء للعملية التربوية، وفي الوقت ذاته، فإن التربية تهدف إلى المحافظة على البيئة ورفع مستواها وتطويرها.
1- تعريف البيئة:
ظل مفهوم البيئة وثيق الصلة في تطوره بمفهوم التربية البيئية ذاتها وبالطريقة التي كان ينظر بها إليها، ومع ذلك يجب التمييز بين دراسة البيئة كمفهوم عام، والتربية البيئية كمفهوم خاص محدد.
حيث أن البيئة” هي الإطار الذي يمارس الإنسان فيه حياته. وهي أيضا مجموعة الظروف والأحوال والمواد والأحياء، التي قد تؤثر على الإنسان ويتفاعل معها”1.
أي أن البيئة هي كل ما يحيط بالإنسان من عناصر حية وغير حية، يؤثر فيها ويتأثر بها.
2- تعريف التربية البيئية:
التربية البيئية هي: “نمط من التربية يهدف إلى معرفة القيم وتوضيح المفاهيم وتنمية المهارات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات التي تربط بين الإنسان وثقافته وبيئته البيوفيزيائية، كما أنها تعني التمرس على اتخاذ القرارات ووضع قانون للسلوك بشأن المسائل المتعلقة بنوعية البيئة”2.
بتعبير مبسط يمكن القول بأن التربية البيئية هي وسيلة لحماية البيئة.
وهناك تعريفات متعددة للتربية البيئية، صدرت عن العديد من الكتاب والمؤلفين وبعض الهيئات والمؤسسات العربية والدولية، والتي ركزت واشتملت في أغلبها على البنود التالية :
– التعلم من أجل فهم وتقدير النظم البيئية بكليتها، والعمل معها وتعزيزها.
– التعلم للتبصر بالصورة الكلية المحيطة بمشكلة بيئية بعينها من نشأتها ومنظوراتها واقتصادياتها وثقافاتها والعمليات الطبيعية التي تسببها والحلول المقترحة للتغلب عليها.
– أنها عملية تعلم لكيفية إدارة وتحسين العلاقات بين الإنسان وبيئته، وتجنب المخاطر البيئية، واتخاذ القرارات البيئية العقلانية.
– أنها عملية تكوين القيم والاتجاهات والمهارات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط الإنسان وحضاراته بمحيطه الحيوي، والمحافظة على المصادر البيئية.
انطلاقا من التعريفات السالفة يمكن استخلاص تعريف للتربية البيئية المرتبطة بالتعليم المدرسي، فنقول بأنها عملية تربوية تستهدف إكساب المتعلمين أنماطا سلوكية تربوية، بهدف الحفاظ على كل ما له قيمة بيئية، وتزويده بالمعارف والمهارات لحل المشكلات البيئية الحالية، وتجنب حدوث مشكلات بيئية جديدة، من خلال المناهج الدراسية والبيئة المدرسية والمحيط الخارجي، لأجل النهوض بالواقع البيئي في المجتمع.
3- أهداف التربية البيئية المدرسية:
يمكن إجمالها في النقط التالية :
* الإسهام في تغيير السلوك اللابيئي، والتعريف بالأنماط البيئية الإيجابية التي تبرز حقيقة العلاقة الوطيدة بين الحفاظ على البيئة واستمرار وجودنا وحياتنا.
* تعبئة الأطفال للانخراط في الأنشطة الميدانية، من حملات للتوعية والتحسيس والنظافة، وعمليات التشجير والبستنة.
* تحفيز الأطفال على العمل بكيفية نشيطة في تحسين وصيانة البيئة المحيطة بهم.
* تمكين الأطفال من القدرة على المساهمة بشكل نشيط وفعال، في حل المشكلات البيئية المحيطة بهم.
* ترسيخ مفاهيم التربية البيئية.
4- طرق وأساليب التربية البيئية:
إن أساليب التدريس شائعة الاستخدام في مدارسنا ثبت قصورها الواضح، فلا يمكن من خلال التلقين وما يرتبط به من حفظ واسترجاع للحقائق والمعارف أن يتكون مفهوم أو اتجاه أو سلوك بيئي.
لذلك فليست هناك طريقة واحدة في التدريس يمكن من خلالها دعم وعي الناشئين ببيئتهم، ولكن هناك طرق متنوعة، ويعتمد اختيار المدرس للطريقة على طبيعة المتعلمين، وحاجاتهم ورغباتهم، ولذلك يجب على المدرس أن يقدر الموقف الذي يجد فيه نفسه ويمزج بين الطرائق التعليمية المختلفة لتهيئة أفضل بيئة ممكنة للتعليم والتعلم. وفيما يلي بعض الطرائق والأنشطة التي يمكن أن تستخدم في تدريس التربية البيئية في المرحلة الابتدائية:
– أسلوب حل المشكلات: المشكلة هي حالة عدم الرضا أو التوتر الذي يحدث عند المتعلم، بسبب وجود عوائق تعترض الوصول إلى الهدف. وتتلخص خطوات الأسلوب العلمي فى حل المشكلات البيئية في: -تحديد المشكلة؛ -جمع البيانات والمعلومات عن المشكلة؛ -تصنيف المعلومات والبيانات؛ -تقويم المعلومات؛ -اختيار الحل المناسب؛ -تقويم الحل .
– أسلوب العمل الجماعي: تعلم العمل في المجتمع أسلوب ينمي الوعي والخلق البيئي حيث يشارك المتعلم في عمل اجتماعي بشكل مباشر، مما يؤدي إلى احترام المتعلم لذاته وتحمله للمسؤوليات، كأن يشارك في عمليات الغرس، أو إزالة الأعشاب الضارة، أو إزالة الأتربة، أو ردم الحفر، وغيرها.
– الرحلات والزيارات البيئية: الرحلة أو الزيارة لموقع بيئي نشاط مخطط هادف يتم خارج فضاء المدرسة، وهي تزود المتعلم بخبرات يصعب على طرائق التدريس التقليدية المركزة على الأنشطة الديداكتيكية الفصلية توفيرها، والتي قلما تنفتح على المحيط المدرسي، وعلى الأنشطة التكوينية المتعلقة بالحياة المدرسية، ولا سيما المرتبطة بالتربية على القيم البيئية، والمواطنة الإيجابية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* محمد بلهادي، أستاذ التعليم الابتدائي (العروي، الناظور).
(باحث سلك الماستر، وحدة فقه المهجر، كلية الآداب، جامعة محمد الأول-وجدة)
1- رؤية الدين الإسلامي في الحفاظ على البيئة، عبد الله شحاتة، ص:7.
2- التربية البيئية لطفل الروضة، سلامة وفاء وعبد الرحمن سعد؛ ص:14.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *