مزايدات عصيد والشاكلة بين رهان الكيد والحقد عبد المغيث موحد

أنا لا أدري كما الكثير ماذا يقول هؤلاء الذين لا يطيقون سماع كلمة الحق، كلمة قال الله قال رسوله، والذين نراهم اليوم في شغل فكهين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم وبأقلامهم وبطش أيديهم وزحف أقدامهم، والذين تضيق صدورهم ويشتد غيضهم كلما لاح في الأفق طيف عبارة تطبيق الشريعة؛ أو إقامة منهج الإسلام وإخراج المسطور منه إلى واقعنا المنظور.
لا أدري كما الكثير إذا ما زار المرض أجسادهم الفقيرة صوب من يتوجهون وإلى أي وجهة سفل يمكن أن يتضرعون.
لا أدري كما الكثير إذا ما رُئي هؤلاء يعمرون بيوت الله أي همس في سجودهم به يلهجون؛ وأي مطلب بين يدي الله يرفعون؛ وأي كلمة في صدورهم هي بهم أمكر من قولهم بأفواههم الله أكبر.
لا أدري كما الكثير دفاعهم إذا ما أشير إلى انتسابهم ببنان الطعن ونبز المروق مع إصرارهم على نبذ الدين وضرب أصوله واجتثاث عراه والإنابة إلى سواه من وافدات الغرب وإمدادات الحرب على كل ما له صلة بعمق الانتساب الصادق والامتياز السامق.
لا أدري كما الكثير ماهية هذا اللغط وهذه الضجة حينما ينعت اللاديني باللادين، وعن أي عطب وهل في هذا التوصيف الصادق عن غير قصد من مطب؟
وأي وجهة لهذا السيل العرم من ردود الأفعال الغائرة يمكن أن يصير إليها المصب؟
لا أدري كما الكثير أي مستوى من الفكر والعمل الجاد والبحث الهادف المنضبط سطرته أيدي هؤلاء الذين صاروا اليوم ينعتون بالكتاب والمفكرين والأدباء والفلاسفة ورؤساء التحرير ورواد التنوير وأسياد المناظرة وأرباب التبرير؟!
لا أدري إذا ما جف ضرع الحواضن أي باب يطرقون وأي خزائن يسترزقون؟
لا أدري إذا ما نضب ماء السماء وكان ماء الأرض غورا أي ديمة يستمطرون وأي غيث يستسقون؟
فسبحان الذي خلقنا من ماء مهين وجعل بعد العلقة مضغة ثم كسا العظام لحما؛ ثم كان من خلقه الأبرار والأشرار؛ والأحرار والفجار؛ ومحمد صلى الله عليه وسلم والأصحاب؛ وأبو لهب والصناديد الأتراب.
سبحان من نحن في حاجة إلى منّه وفضله وكرمه وعدله وكتبه ورسله وأخباره وشريعته، ونعوذ بالله عذرا وتظلما من هذا الصنف الذليل الذي يأكل من خيره ويتمرغ في نعمه؛ بدء من إدخال لقمة التحلي؛ ووقوفا عند نعمة إخراجها عند التخلي، وقائمة الآلاء طويلة عريضة لا يحويها عدّ ولا يحيط بأطرافها حد، وصدق من قال “يأكلون من خيره وينيبون لغيره” يعطي المال والبنين فتستثمر العطايا في عربون الصدود وصفقة الجحود.
فيا الله غفرانك غفرانك؛ لا تؤاخذ المنيبين العقلاء بما فعله ويفعله بإصرار ومروق الكثير من السفهاء الذين كانوا ولا يزالون إذا سمعوا داعي الحق يتغامزون ويسخرون، وينعتون مشروع البشير النذير بالجاهلية والظلامية والأنكاد والاستبداد وإلغاء العقل واستعباد النقل، حتى إذا ما شكا أهل الحق صاح أهل الباطل في صفاقة لا نضير لها قائلين بأفمامهم مسطرين بأقلام أعمدتهم مشيرين بجوارحهم الكاسرة: إن الظلامية والرجعية تحركت تريد الزحف على المكتسب الحداثي، وتروم البغي والعدوان، وتبغي نشر ثقافة السيف والرمح والسنان، فلا يكاد المنصف المحق مع قوة هذه الجلبة وشدة سفور هذه الصفاقة أن يميز بطبل الأذن بين عواء الحيوان وصياح بني علمان، مع أن عواء الحيوان ولو استحال إلى هدير لا يمكن أن تحجب نبراته جحيم وحشيته، أما صياح هؤلاء فيمكن إخراجه وقد خرج في قالب نظم ملحون وطرب منغوم يذوب في سمفونية حوجلته الحداثية ومصنعه الاستغرابي كل طين لزب مسنون.
فيا للعجب أن يقول الله في شخص نبيه الكريم والأسوة العظيم {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ونهرول في مسعى دروين وماركس ودو تكفيل وروسو ولينين.. وقائمة الآخر القدوة طويلة لاذيل لها لنأخذ العبرة ونتأسى بالخلق الغربي الصفيق.
ويا للعجب أن يقول الله في محكم التنزيل {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} وأن يصف حكم السوى والغير بالجاهلية مصداقا لقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ثم ترانا طوابير نستجدي نخالة الأفكار وزبالة الأذهان من مدنية الأنعام الذين هم أضل وأقسى عند العطاء من الحجارة التي تجود بالماء؛ وتهبط من خشية الله؛ وتخشع بتصدع من خبر السماء وثقل التنزيل الذي صار اليوم بين ظهرانينا ظهريا ونسيا منسيا ورمزا لكل نكبة وشماعة نرمي على أفنانها هزائم كل حقبة ودرك كل نسبة.
فيا لها من صفاقة وجرأة حائفة أن يسيل حبر هؤلاء الكتاب والمفكرين وأن ينزف قلمهم بمداد الحقد والكيد للإسلام وأهله وأن يجعل لمم الكسب والتدين موبقات وكبائر جاء الدين حاملا لها بين ثنايا أحكامه العظيمة، وأن يتهم سيد الخلق ولا فخر من الذين رضعوا لبان الإسلام والعروبة وتشبعوا بمعالم جينية تحكم بعروبة الهيئة والهامة على مد البصر إرسالا وإرجاعا بالنقص في التبليغ والقصور في البيان والبناء والتقويم.
وأن تتحول بين غمضة عين وانتباهتها الأقليات التي استصرخت عدل الإسلام فاستنصرها وبنى مجدها وحفظ نسلها، فكان منها الترمذي والبخاري وابن تيمية وموسى بن نصير وطارق بن زياد والألباني وقائمة أولي الفضل والنهى طويلة ضاربة في طنب التاريخ وعمق الحضارة المتسامية إلى خلايا سرطانية مهجنة تنال من تراص الأمة وتحول المتجانس منها إلى فصام مستحلب، وتنخر بسوسها عظام البنيان الذي يشد بعضه بعضا تريد أن تحوله ولو بعد حين إلى رماد بارد ورميم ناكد.
فكان منها بعد استحالة ماسخة وأكسدة ناسخة الأكحل والبليد وغير الهادف وعصيد وقائمة الذين يبغونها عوجا ويركبون موج الفتنة وأعاصير النعرات النتنة طويلة عريضة، يكاد وزنها الجفائي أن يميل بنا كل الميل وأن يدخلنا في أتون الهلكة، كل ذلك بالوكالة المفوضة والنيابة عن قوى الاستكبار المتربصة بذلك الخليط الذي لو أنفقت كنوز الأرض ليحصل لك التآلف بين مكوناته لن تستطيع إلى ذلك سبيلا؛ ولكن الله ألّف وآخى وأسس لبنة التواد والتراحم وقواعد الآصرة في الدين بين الأنصار والمهاجرة.
وبعد هذا الطهر والطوباوية التي لم ولن يبلغ منزلتها مجتمع كائن من كان يأتي من يحدثنا بعصيدة اختار لها كإبداع مسرحي على خشبة مسرح جريدة الصباح التي فتحت دفتي بياضها المرباض إلى كل دخن وقذارة اسم “فن العيش المشترك” والذي أسس عراه على التقعيد لمبادئ أربعة متباينة المبنى واحدة المعنى، الذي مفاده تحييد الدين والقبول بالآخر، قبول ذوبان وإذعان والتخلي عن فكرة إقحام السماء في مملكة الأرض؛ باعتبار أن هذا الإقحام وعلى حد تعبير هذا الصغير المعتوه يعد أكبر أسباب الشقاء الأبدي من باب كونه معيارا ذا حساسية مفرطة ونزعة غريزية تقسم العالم إلى فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان.
ولسنا هنا ملزمين بالرد على مثل هكذا تخرصات حتى لا نساهم في جعل الحجارة بمثقال الذهب جراء الإلقام المعلوم، ولكننا نهدي لهذا وأمثاله نموذجا من التعايش الذي لا يملك هو ومن هم على الشاكلة المزايدة علينا بفنهم وعفنهم ودرنهم في هذا الباب باب الإسلام العظيم الذي جعل ابن حزم إمام الأندلس يقول: “إن من واجب المسلم للذميين الرفق بضعفائهم، وسد خلة فقرائهم، وإطعام جائعهم، وإلباس عاريهم، ومخاطبتهم بلين القول، واحتمال أذى الجار منهم مع القدرة على دفعه رفقا بهم لا خوفا ولا تعظيما، وإخلاص النصح لهم في جميع أمورهم، ومدافعة من يتعرض لإيذائهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يفعل معهم كل ما يحسن بكريم الأخلاق أن يفعله”.
فهل يا ترى كان هذا أو قليله صنيع الآخر الأبيض لمَّا ساد وتمت له الغلبة وآلت دولة الأمور إلى حكمه واستبداده وغطرسته الضاربة في سيل الدماء البريئة وركام الأشلاء التي مزقتها قنابل إقامته الاستعمارية وحمايته الإمبريالية؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *