تاريخ فرنسا الإجرامي في الجزائر مصطفى الحسناوي

جدد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أواخر شهر دجنبر المنصرم، رفض بلاده الاعتذار عن ماضيها الدموي الإجرامي، وهي وقاحة وعنجهية لم يشهد لها التاريخ مثيلا، من دولة أمعنت في قتل الأبرياء وذبحهم، واغتصاب وانتهاك الأعراض، وسرقة ومصادرة الأراضي وأغراض البسطاء والفلاحين، وإبادات جماعية، وحرق للمحصولات، وغيرها من الجرائم، التي فاقت في بشاعتها جرائم الصهيونية والنازية.
يحكي صاحب كتاب: “جرائم فرنسا في الجزائر” الأستاذ سعدي بزيان، إرهابا وجرائم، اقترفتها فرنسا بحق شعب أعزل يشيب لهولها الولدان، بدء من الجرائم البشعة التي ارتكبت سنة 1830م، وثورة المقراني سنة1871م، وما تلاها من ثورات لم تتوقف منذ وطئت أقدام الفرنسيين أرض الجزائر، فيتساءل المؤلف: “كيف يمكن للشعب الجزائري أن يتناسى جرائم 8 ماي 1945م. والتي راح ضحيتها خمسة وأربعون ألف شهيد، وكيف يمكن نسيان جرائم 20 غشت 1955م في سكيكدة، والتي كانت تحت إشراف الجنرال أوساريس، وهل يمكن نسيان جرائم 17 أكتوبر 1961م.
ومن الذين ارتكبوا جرائم شنعاء العقيد بيليسي الذي أصدر أوامر لجنوده بإضرام النار في مغارة التجأ إليها أفراد من الشعب هروباً من جحيم الاستعمار وفي ظروف مأساوية قلّ نظيرها اختنق هؤلاء في المغارة وماتوا جميعا”.
بل بلغ الفرنسيون قمة الإرهاب والوحشية، بقتلهم جالية جزائرية تعيش آمنة مطمئنة بين ظهرانيهم. كتلك التي قام بها موريس بابون في حق الجالية الجزائرية في باريس تحت لواء جمهورية الجنرال دوغول ووزيريه ميشال دوبري رئيس الحكومة، وروجي فري وزير الداخلية، والتي استشهد في يومها ثلاثمائة مواطن جزائري رُمي جُلّهم في نهر السين (Seine) بباريس، كما قتل عدد كبير داخل مراكز الشرطة، وأغرق العشرات بواسطة الطائرات في البحر.
وقد تقلص عدد سكان الجزائر حسب تقرير أحد الضباط الفرنسيين من أربعة ملايين إلى ثلاثة ملايين نسمة في مدى سبع سنوات؛ كما يحكي الأستاذ صلاح العقاد في كتابه “المغرب العربي: الجزائر-المغرب الأقصى-تونس”.
بل إن ما منيت به فرنسا من هزيمة نكراء على يد الفيتناميين جعلها تتصرف كالثور الهائج فراحت تنتقم من الأطفال والكهول والعجائز، ومما صرح به الجنرال سانت أرنو، وهو أحد معاوني الجنرال بوجو، في مذكراته: “لقد كانت حملتنا في الجزائر حملة تدميرية أكثر منها عملا عسكرياً، ونحن اليوم وسط جبال مليانة لا نطلق إلا قليلا من الرصاص، وإنما نمضي وقتنا في حرق جميع القرى والأكواخ، وإن العدو يفر أمامنا سائقاً أمامه قطعان غنمه”.
ينتقل بنا صاحب كتاب “جرائم فرنسا في الجزائر” للحديث عن مذكرات الجنرال بول أوساريس ذلك الجنرال الذي يتفاخر ويتبجح بجرائمه التي يندى لها الجبين انطلاقاً من جرائمه في مدينة سكيكدة، ثم في معركة الجزائر، فهو يعترفُ بأنه قد قتل أربعة وعشرين شخصاً من سجناء الحرب، كما أعطى أوامر لتذبيح وقتل المئات من المشتبه بهم دون محاكمة، كما يعترف بأنه أشرف على تعذيب مشبوه جزائري إلى أن مات متأثراً بالتعذيب لأنه رفض الاعتراف، ويذكر بأنه لم يتأثر إطلاقاً لوفاته، بل إنه يتأسف لموته دون أن يُدلي له بالاعترافات، ويؤكد عدم خجله من ذلك ولا شعوره بالذنب، كما اعترف بأنه المشرف الشخصي على قتل الشهيد علي بومنجل، حيث تم رميه من أعلى عمارة في شارع كليمانصو بالأبيار، ومما يذكره أنه قتل خمسمائة مشبوهاً فيهم في مدينة سكيكدة لوحدها، ومما قاله أوساريس إن الأعمال التي قام بها في الجزائر هي أعمال جيدة، وكل ما قمت به من أجل خدمة مصالح بلدي…!!.
وبعد أن استحضر المؤلف العديد من التصريحات الإجرامية لمسؤولين فرنسيين عسكريين وسياسيين، يُشير إلى أن هناك مؤرخاً فرنسياً واحداً خالف جميع المؤرخين الفرنسيين وهو جاك جوركي الذي أكد: «أن الفرنسيين قتلوا منذ الاحتلال مروراً بالثورات والانتفاضات التي قام بها الوطنيون الجزائريون إلى غاية الاستقلال عشرة ملايين شهيد…!!.
هذا كتاب واحد فقط يحكي عن جرائم فرنسا فقط في قطر مستعمر واحد فقط هو الجزائر. أفلا يستغرب الإنسان العاقل صاحب الفطرة السوية، من هذه العقلية الإجرامية وهذه النفسية الحيوانية وهذه السلوكات الإرهابية.
ويزيد الاستغراب ويبلغ العجب مبلغه إن علمت أن البرلمان الفرنسي صادق على تمجيد الاحتلال بشكل قاطع، وفرنسا تزرع في نفوس ناشئتها أن الاحتلال كان عملا إنسانيا، بل إن هولاند -وقبله ساركوزي- لا زال مصرا على عدم الاعتذار عن ماضي بلاده الإمبريالي الدموي، مجرد الاعتذار، ولست أفهم ما نظرة هؤلاء القوم لنا، لاشك أنهم يروننا مجرد حيوانات لا حق لها في العيش بكرامة.
فكيف يلام إذن من اختلطت عليه مفاهيم الإنسانية والتألم للآخر والتعاطف معه، إن كان هذا الآخر يتعمد خلط المفاهيم ويتعامل معك بدل المكيال بمكاييل.
كيف يراد منا نسيان جرائمهم وندوبها لازال يسيل قيحها وصديدها، واحتلالهم لا زال لحد الساعة جاثما على صدورنا، ولا نستحيي من القول أنهم دول صديقة. كيف يراد منا التألم لمصائبهم، ورثاء قتلاهم، الذين يقتلون بمعدل واحد في السنة، ولا يلتفت أحد لمصائبنا وقتلانا بلغوا المائة في اليوم.
لا يسعني القول إلا كما قال الرسول الأكرم صلوات ربي وسلامه عليه، عند استشهاد عمه حمزة، ولكن حمزة لا بواكي له، فأقول ولكن المسلمين لا بواكي لهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *