تحتل قضية المرأة موقع الصدارة في المخطط العلماني لإفساد المجتمع المسلم وتفكيك بنيته، وذلك لما لها من دور محوري في بناء الأسرة التي تشكل النواة الأولى لأي مجتمع؛ فالمرأة هي التي تتحمل القسط الأكبر من تربية النشء، والسهر على ما يلزمهم من متطلبات الحياة، وهي التي يتلقى عنها الطفل -ذكراً كان أو أنثى- القيمَ والمبادئ بحكم طول فترة التواجد سوياً مقارنة بالأب.
إنها مسؤولية عظيمة، ودور شاق استحقت عليه في شرع الإسلام أن يكون لها ثلاثة أرباع البر الذي أمر الله به كل مسلم تجاه والديه، فقد جاء رجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك؛ قال: ثم من؟ قال: أمك؛ قال: ثم من؟ قال: أمك؛ قال: ثم من؟ قال: أبوك” [صححه الألباني في “غاية المرام”:276].
ونظراً لأهمية الدور المنوط شرعاً بالمرأة المسلمة، ولأن في صلاحهاً صلاحاً للمجتمع المسلم، والعكس صحيح، فقد تركزت هجمة أعداء الأمة منذ فجر الإسلام على هذا الحصن الذي متى ما سقط هانت عليهم بقية الحصون، فدخلوا ميدان الأمة واستباحوا كيانها بلا أدنى مقاومة.
اتباع سنن اليهود والنصارى
لما كان بنو علمان أذناباً للعدو الخارجي، وطابوره الخامس الذي ينفذ أجنداته الخبيثة بمرونة وخفاء، فقد كان للتآمر على المرأة المسلمة حيزاً كبيراً في سياسات ومناهج التغريب التي يسوقها بيادق بني الأصفر؛ فبالنظر إلى استراتيجية بني علمان في إفساد المرأة المسلمة يتبين أن المخطط القذر يرتكز على نقاط محددة، أبرزها ما يتعلق بالجانب الأخلاقي الثقافي.
حيث حرص العلمانيون العرب منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي على الدعوة في ديار الإسلام إلى تبني سلوكيات وقيم غربية مخالفة للشرع، من قبيل الاختلاط في المدارس والمؤسسات الحكومية الذي عمت به البلوى، وانتشر كالنار في الهشيم؛ والتبرج الذي فشا هو الآخر حتى صار هو الأصل، وغدا الستر الذي أمر الله به المسلمات استثناء في شوارعنا؛ ثم كانت ثالثة الأثافي وهي ما يسمى بـ”الموضة”، فباتت نساء المسلمين -إلا من رحم الله- مسلوبات العقل، فاقدات لصوابهن أمام بهرج الأزياء الغربية الماجنة الفاتنة بألوانها وأشكالها.
وأمام ضعف الوازع الديني عند معظم الآباء والأزواج، وظهور الدياثة حتى ماتت الغيرة أو كادت، طفت على سطح مجتمعنا الإسلامي مظاهر الانحلال الأخلاقي والتفسخ المجتمعي الذي غرق فيه الغرب.. هناك حيث جرعة “الحقوق” زائدة، خاصة ما تعلق منها بالمرأة؛ حال ترتب عنه فائض في إنتاج الجرائم والفواحش بكل أصنافها، مما دفع بدهاقنة السياسة والباحثين الاجتماعيين والنفسانيين إلى وضع خطة عاجلة لتصدير ذلك الفائض على مراحل، وبثمن بخس لـ”صالح” الدول الإسلامية.
ولترويج تلك البضاعة العفنة كان من اللازم الإبداع في تعليبها لضمان الإقبال عليها، فتم تسويق الاختلاط في ثوب “الانفتاح”، وألبِس التبرج زي “الحرية الشخصية”، وأصبح تتبع صرعات الموضة مواكبة للعصر، ومسايرة للتقدم؛ غير أن الغربيين لم يباشروا إنزال الخطة على أرض واقعنا بأياديهم، وإنما عمدوا في تنفيذ كل تلك الأعمال القذرة ببلاد المسلمين إلى استخدام تلامذتهم ببلادنا، الذين هم بمثابة القفازات أحادية الاستعمال التي تلقى في القمامة بعد استغلالها، وتلك سنة الله في الخائنين على مر الدهور.
وقد لاقت البضاعة الفاسدة إقبالاً ملفتاً ممن لا خلاق لهم، لتتحقق بذلك نبوءة الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: “لَتَتَّبِعُنَّ سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم”، قال الصحابة:”آليهود والنصارى؟”، قال:”فمن؟” [البخاري:3269؛ ومسلم:2669].
في العدد المقبل بحول الله، نعرض شهادات من نسوة غربيات عِشن “الحرية” بكل زخمها، ووقفن على آثارها في مجتمعهن.