ذكر ابن قيم الجوزية، أن أكثر الفلاسفة المسلمين ضلوا في حياتهم، وتحلّلوا من الشريعة، وأقبلوا على شهوات البطن والفرج والرياسة، والأمثلة على ما قاله ابن الجوزي وابن القيم كثيرة ذكرنا في الحلقة الماضية خمسة منهم، وسادسهم هو المتفلسف صدقة بن الحسين البغدادي (ت 573هـ)، كان زائغ العقيدة يُظهر اعتراضه على القدر ونقمته عليه، فرُوي أنه عندما مرض يوما واشتد به المرض، قال عن الله تعالى: (إن كان يريد أن أموت فيُميتني، وأما هذا التعذيب فما له معنى)، فهو بقوله هذا قد سقط فريسة لشبهات المنحرفين من المتكلمين والفلاسفة، ولم يستطع فكها والرد عليها، وفقد ثقته بالله وحسن الظن به، وصرعته الوساوس والشكوك والشبهات؛ ودلّ اعتراضه على القدر أنه جاهل بسنن الله وحكمته في خلقه، فهو تعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء، وهو العدل الرحيم الحكيم، فقد تكون رحمته في المنع ونقمته في العطاء، وقد يُمرض عبده قبيل وفاته ليُعطيه فرصة الرجوع إليه، ويفتح له بابا للدعاء والإخلاص والتضرّع إليه، لكن هذا المسكين -أي صدقة بن الحسين- غفل على أن الاعتراض على الحكيم جهل وشك، وأن التسليم له علم ويقين.
والسابع هو الفيلسوف الشهاب السهروردي المقتول، قال عنه الذهبي وابن كثير: كان قليل الدين متهورا مستهترا، منحلا طائشا ساحرا زنديقا، أفسد عقائد جماعة من الشباب المشتغلين عليه، وذكر عنه ابن تيمية، أنه جمع بين فلسفة الفرس واليونان، وسلك مسلك الباطنية الإسماعيلية، وكان يريد أن يصبح نبيا، وصنف كتاب الألواح العمادية في المبدأ والمعاد، للملك عماد الدين أرسلان، صنّفه له بما يُوافق هواه، تقربا إليه وطمعا فيما عنده من الجاه والمال.
وثامنهم المتفلسف الفخر إسماعيل بن المني البغدادي (ت:610هـ)، قال عنه ابن العماد الحنبلي: كان متسمحا بدينه متلاعبا به، تولى مسؤولية في أحد دواوين الدولة فلم تُحمد سيرته، فعُزل وسجن مدة ثم أفرج عنه، ورُوي أنه صنف كتابا سماه نواميس الأنبياء، زعم فيه أن الأنبياء حكماء كأرسطو وغيره من الفلاسفة.
وزعمه هذا فيه جهل كبير وانهزامية فكرية مكشوفة، جعلته يُهمل ما قاله القرآن الكريم في التفريق بين النبي وغيره من الناس، ويتبع هواه وأهواء من يتبعهم من الفلاسفة، والله تعالى يقول: ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) سورة فصلت 6، فالنبي يتلقى الوحي عن الله تعالى، والفلاسفة يعتمدون في علمهم على عقولهم وحواسهم وأهوائهم كغيرهم من طوائف العلماء.
والتاسع هو المتفلسف الركن عبد السلام بن عبد الوهاب البغدادي (ت 611هـ)، قال عنه الحافظ شمس الدين الذهبي وابن كثير وابن العماد الحنبلي: كان منجما فاسقا، مذموم السيرة طويل اللسان، يجتمع مع أصحابه على الفواحش والمنكرات وعلى الشراب والمُردان، ويُروى أن والده رآه يوما مرتديا ثوبا بخاريا، فقال له: (والله هذا عجب! مازلنا نسمع البخاري ومسلما، فأما البخاري وكافر فما سمعناه).
والعاشر هو الفيلسوف الرفيع الجيلي (ت642هـ)، قال عنه المؤرخ شمس الدين الذهبي: كان فاسد العقيدة دهريا منحلا، مذموم السيرة خبيث السريرة، مظلم القلب والقالب، يأكل أموال الناس بالباطل، ويستهزئ بالشريعة ويأتي الجمعة مخمورا، وداره مملوءة بالخمر كالحانة.
والحادي عشر هو الفيلسوف الضرير عز الدين بن محمد الإربلي (ت 660هـ)، قال عنه شمس الدين الذهبي وابن العماد الحنبلي: كان فاسد العقيدة خبيث الطوية رافضي النزعة، قذر الهيئة لا يتوقى النجاسات، ويخل بالصلوات وقيل كان تاركا لها.
والثاني عشر هو الفيلسوف الصوفي المعروف بان سبعين (ق:7هـ) ذكر عنه الشيخ تقي الدين ابن تيمية أنه كان يريد أن يصبح نبيا، فرحل من المغرب إلى مكة المكرمة ونزل بغار حراء، لعل الوحي ينزل عليه، وفعله هذا ضلال وكفر بدين الإسلام.
والثالث عشر هو الفيلسوف المتكلم نصير الدين الطوسي (ت 672 هـ)، قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: إنه كان وزيرا ومنجما لطاغية التتار هولاكو خان، ومن رؤوس الملاحدة الصابئة، أخذ كتب الناس وأوقافهم -عندما استولى التتار على بلاد المسلمين- فأحرق كتب التفسير والفقه والحديث والرقائق، وأبقى كتب العلوم التي يحبها، كالطب والنجوم والفلسفة، وقال عنه أيضا: إنه كان منحلا مستهزئا بالشريعة يشرب الخمر هو وأصحابه في شهر رمضان ولا يصلون.
ووصفه ابن قيم الجوزية بأنه نصير الكفر والشرك، سعى لإبطال الوحي كلية وإحلال الفلسفة محله، وجعل إشارات ابن سينا مكان القرآن الكريم، فلما لم يقدر قال: هي قرآن الخواص، والقرآن قرآن العوام. كما أنه قتل علماء أهل السنة وأخذ مدارسهم وأوقافهم وأعطاها للسحرة والمنجمين والفلاسفة، وحاول إبطال الآذان وتحويل الصلاة إلى القطب الشمالي، وجعلها صلاتين، فعجز عن تحقيق ذلك؛ وفي آخر حياته أصبح ساحرا يعبد الأصنام (إغاثة اللهفان 2/267، والصواعق 3/1077).