شاع عند الكثير من الناس صورة قبة الصخرة حتى صارت شعارا للفلسطينيين, و رمزا لهم وعلامة لقناتهم, مما أدى إلى تضليل الغالبية الساحقة من المسلمين باعتقادهم أن هذه الصورة –أقصد قبة الصخرة– هي المسجد الأقصى الذي له مزية عن باقي المساجد تتجلى في شرعية شد الرحال إليه وأفضلية الصلاة فيه عن باقي المساجد إلا الحرمين. والواقع ليس كذلك، فالمسجد يقع في الجزء الجنوبي من الساحة الكبيرة، والقبة بنيت على يد عبد الملك بن مروان على صخرة مرتفعة تقع وسط الساحة، واكتفاء المسلمين بصورة القبة قد يكون راجعا لحسن عمارتها وجمال هيئتها، وهذا لا يعفيهم من الخطأ الذي نشأ عنه عدم التمييز بين المسجد وما حوله .
وقد يكون هذا من مكر اليهود وكيدهم؛ لتعظيمهم الصخرة وتوجههم إليها أو يكون إظهار الصخرة ليتم لهم مرادهم بإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وذلك ليظن المسلمون بأن المسجد الأقصى هو قبة الصخرة، فإذا قام اليهود بهدم المسجد وأنكر عليهم المسلمون قالوا لهم ها هو المسجد الأقصى على حاله، فيُظهرون صورة قبة الصخرة، فيكونون بذلك قد حققوا هدفهم، وسلموا من انتقاد المسلمين.
ولا أدري هل هذا الأمر تقصير من الإعلام العربي والإسلامي أم مكر من الصهاينة انطلى على المسلمين بما فيهم بعض الإعلاميين والمثقفين.
كما شاع عند غالبية الناس أن للصخرة الموجودة تحت القبة مزية وفضيلة على غيرها، والحقيقة أنه لم يثبت حديث ولا أثر صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته يبين فضل هذه الصخرة أو ميزتها قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:” كل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى” المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن القيم ص 78 .
وكذلك لا يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به منها، ولا يصح أنها تبعته بعد معراجه، وأن الملائكة مسكتها فبقيت بين السماء والأرض، فإنّ هذا كله من الخرافات التي يتداولها العوام ولم يدل عليها نقل صحيح.
لم يرد نقل صحيح كذلك في إثبات آثار قدمي النبي على هذه الصخرة.
وعليه، فإن هذه الصخرة كسائر الصخور لا يجوز تعظيمها، وإنما يعظمها اليهود وبعض النصارى ولذلك فإنه لا يجوز التمسح بها ولا الطواف حولها. ولا يقال: الصخرة المشرفة، لأنه لا دليل على تشريفها.
قال شيخ الإسلام: “فالمسجد الأقصى اسم لجميع المسجد الذي بناه سليمان عليه السلام، وقد صار بعض الناس يسمي الأقصى، المصلى الذي بناه عمر بن الخطاب في مقدمته، والصلاة في هذا المصلى الذي بناه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة في سائر المسجد، فإن عمر بن الخطاب لما فتح بيت المقدس وكان على الصخرة زبالة عظيمة لأن النصارى كانوا يقصدون إهانتها مقابلة لليهود الذين يصلون إليها، فأمر عمر بإزالة النجاسة عنها، وقال لكعب: أين ترى أن نبني مصلى للمسلمين؟ فقال: خلف الصخرة، فقال: يا ابن اليهودية! خالطتك اليهودية، بل أبْنِه أمامها، فإنّ لنا صدور المساجد.
ولهذا كان أئمة الأمة إذا دخلوا المسجد قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر، وأما الصخرة فلم يُصَلّ عندها عمر ولا الصحابة ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة، بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد ومروان … وأما أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فلم يكونوا يعظمون الصخرة فإنها قبلة منسوخة… وإنما يعظمها اليهود وبعض النصارى.” اهـ مجموعة الرسائل الكبرى 2/61
بل إن من يدخل مسجد الصخرة من أجل الصخرة معتقداً بجلالها وزيادة الثواب من أجلها، فقد ارتكب إثماً وابتدع ديناً.
قال شيخ الإسلام: “لا تستحب زيارة الصخرة، بل المستحب أن يصلي في قبليّ المسجد الأقصى الذي بناه عمر بن الخطاب للمسلمين” مجموع الفتاوى 26/150.
وقد ذكر العلامة الألباني رحمه بعض في رسالته “مناسك الحج و العمرة” جملة من بدع بيت المقدس ومنها:
– الطواف بقبة الصخرة تشبهاً بالطواف بالكعبة.
– تعظيم الصخرة بأي نوع من أنواع التعظيم، كالتمسح بها وتقبيلها، وسوق الغنم إليها لذبحها هناك، والتعريف بها عشية عرفة، والبناء عليها وغير ذلك.
– زعمهم أن هناك على الصخرة أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وأثر عمامته، ومنهم من يظن أنه موضع قدم الرب سبحانه وتعالى .”
و إن مما يندى له جبين كل موحد أن العامة في فلسطين لا يفتئون يقومون عند هذه الصخرة بأمور ما أنزل الله بها من سلطان من بدع و ضلالات, وعوائد شركيات كالطواف بها والاستشفاء بها و غير ذلك، ولئن كان جهل عامة الناس قد يُقبل عذرا فإنه لا يُقبل بحال من الأحوال صمت الدعاة إلى الله هناك ممن يحمل هم حماية الأقصى والدفاع عنه والسعي لاسترداده واسترجاعه ويبذلون المال والنفس لتحريره ومع ذلك لا ينتهجون سبيل الأنبياء فلا يسعون لنشر التوحيد الذي أوجبه الله على العبيد, وجعله شرطا من شروط النصر قال تعالى:” وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” سورة النور
ولا يقيمون أوامر الله في أنفسهم ولا في من هو تحت رعايتهم ولا ينضبطون بضوابط الشريعة لا في دعوتهم ووسائلها ولا أنشطتهم و طرائقها, ألا فليعلم الجميع أننا لن نسترجع الأقصى بغير اتباع هدي المصطفى صلى الله عليه و سلم.
نسأل الله تعالى أن يعيد للمسلمين عزهم ومجدهم، وأن يطهر المسجد الأقصى من إخوان القردة والخنازير، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.