زعم أحمد عصيد في كلمة له في ندوة نظمتها جمعية حقوق الإنسان المغربية أنه لا يوجد أي دين أنصف المرأة في تاريخ الحضارات البشرية… وأنه لا يوجد دين واحد تبوأت فيه المرأة مكانة في المستوى المطلوب اللائقة بها التي تستحق.. وأن جميع الأديان جعلت المرأة أقل من الرجل.. لأن كل الأديان التي نعرف ظهرت في أربعة آلاف سنة الأخيرة… وكل هذه الديانات من إبراهيم والعبرانيين والمسيحية والإسلام ثم ديانات أخرى أنتجت مجتمعات ذكورية والتي بدورها أنتجت الفكر الديني وغير الديني الذي يحتقر المرأة.. إلى أن جاءت حقوق الإنسان العالمية التي حررت العبيد وأعلت من شأن المرأة.
وأود التنبيه إلى أنني لا اقصد في هذه السلسلة توسعا في مناقشة أبي عصواد لأن الرجل لا يستحق أكثر من هذا، فليس له عمق فكري كما قد يبدو لأول وهلة، فالرجل يحاول ابتداع إناء جديد للعلمانية في المغرب بعدما انهارت العلمانية ذات الإناء العربي بعد سلسلة من الكتابات النقدية، والتي لم تسلم منها العلمانية المغربية.. ولذلك يبذل الرجل وسعا فرديا في أن يبتعد عن مقبرة العلمانية العربية.. ولذلك أقتصر فقط على شد أذنه؛ تحذيرا من شغبه فقط.
وخلاصة كلامه السابق الذكر فيما يخص الإسلام.. أنه عند أبي عصواد كغيره (دين لم ينصف المرأة ولم يبوئها المكانة التي تستحقها فجعلها أقل من الرجل فاحتقرها).
وكلام أحمد عصيد إنما هو ترديد ببغائي سافل لكلام المستشرقين قبله… كغيره من بني علمان المقلدة لأسلافهم… من مثل المستشرق البريطاني إدوارد وليام لين [Edward William Lane] (1801-1876) الذي قال في مقدمة ترجمته لأجزاء مختارة من القرآن الكريم التي صدرت أول طبعاتها في لندن سنة 1843 [Selection from kuran -1982-London] – الكتاب مطبوع باسم : Selection from the kur-an – : (إن الجانب المهلك من الإسلام حطه من قيمة المرأة) وهذه الترجمة منقولة من كتاب. (المرأة بين شريعة الإسلام والغرب/ص11) للمفكر الإسلامي الهندي وحيد الدين خان.
والصحيح الذي أشرقت شمسه على ظلام التزوير العلماني أن الإسلام رفع من قدرها كما قال جوستاف لوبون في كتابه (الحضارة العربية/الكتاب الرابع/الفصل الرابع) وهو يتحدث عن الإسلام: (لقد أثر في ظروف المرأة في الشرق تأثيرا كبيرا.. بعيدا عن إهانتها.. كما يردد البعض بطريقة عمياء.. بل العكس.. فقد رفع مكانتها الاجتماعية ودورها… والقرآن -كما أوضحت بدراسة حقوق الإرث عند العرب- يعاملها بطريقة أفضل بكثير من بعض قوانيننا الأوروبية).
وأصل النص بالفرنسية:
(Il a exercé sur la condition des femmes en Orient une influence considérable.Loin de les abaisser, comme on le répète aveuglement, il a, au contraire,considérablement relevé leur état social et leur rôle. Le Coran, ainsi que je l’ai montré en examinant le droit de succession chez les Arabes, les traite beaucoup mieux que la plupart de nos codes européens).
وهذه شهادة رجل نعتقد أنه أنصف في كلامه هذا، وهو رجل كجبل إيفرست أمام (أبي عصواد)..! قبح الله من لا ينصف.. ويهرف بما لا يعرف… ومن جهل شيئا عاداه… واستحق لقب غبي بل تعداه!
لا يكاد ينقضي عجبي من الشغب العصوادي الذي لا يجد أدنى حياء من التصريح بعكس الحقائق التي لا يراها إلا أهل الشهامة والإنصاف… ينفي أن يكون الإسلام أنصف المرأة ويتهمه باحتقارها في تدليس تاريخي حقير؛ وتزوير فكري مهين.
فما أفعل إن كان الله تعالى قد طمس على بصيرته…فادعى أنه لولا حقوق الإنسان العالمية لما عرفت المرأة حقا…
قلت: طمس الله بصيرته لأن صاحب البصيرة يعرف الحق، فإن كان كافرا أسلم ومثال (مارماديوك ويليام بكثول -توفي سنة 1936- Marmaduke William Pickthall) – الإنجليزي الذي أسلم وسمى نفسه محمدا وله ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية –الذي قال في كتابه (فضل العرب):
(إن المسلمين يعظمون المرأة ويكرمونها لأنها امرأة، فتراهم يقضون حاجات الأرامل ولا يحوجوهن لشراء الحاجات في الأسواق، ويكرمون الأمهات.. ورأيناهم يعطفون على كل امرأة ضعيفة لكبر سن أو فقد أقارب أو دمامة وجه فيخدمونها لوجه الله وابتغاء مرضاته..أما الأوروبيون فإنهم لا يعظمون المرأة إلا بشرطين: أحدهما أن تكون جميلة في نظرهم، والثاني أن تكون رقيقة العرض يمكن الاستمتاع بها.. وبدون ذلك لا يرحمون امرأة أبدا، فادعاؤهم تكريم المرأة كذب وزور، بل هو في الحقيقة خداع للمرأة واستدراج لإلقائها في التهلكة) نقلا عن (أحكام الخلع /ص9) للشيخ تقي الدين الهلالي الذي أكد ذلك بقوله:
(وصدق رحمه الله، وإني كنت أركب قطار النفق الذي يسير تحت الأرض في (برلين) فتركب فيه العجوز الضعيفة حاملة سلتين في يديها، فلا يقوم لها أحد، فتبقى واقفة إلى أن ينزل بعض الركاب، ومتى ما رأوا شابة جميلة تسارعوا إلى قيام وعرضوا أمكنتهم عليها، وهي تعرف أنهم لم يقوموا لها لوجه الله ..فلذلك لا تقبل من أحدهم أن تجلس في مكانه، إلا إذا كان لها أرب فجلوسها في مكانه آية قبولها لمخادنته).
وليعلم من نور الله بصيرته أن المرأة ما احتقرت في بلاد المسلمين إلا بعدما أقصيت الشريعة وأخلاقها وسياستها من حياة الناس، وما أهينت وحط من قدرها عن قدر الرجل إلا عندما غيب الدين ومقوماته..
ويبين شيخ شيخنا تقي الدين الهلالي رحمه الله فيقول في (أحكام الخلع/4):
(رأيت الناس في بلادنا وغيرها قد أساؤوا عشرة النساء، وقل منهم من لم يكن تعدى وأساء فقابلتهم بمثل ذلك النساء، وفسدت الحال فيما بينهم وبينهن في الحركات والسكنات، فعم بذلك الشقاق، وعدم الوفاق، وصار كل من الزوجين وبالا على صاحبه وامتلأت المحاكم الشرعية بالخصومات، وعجز عن حل مشاكلهن القضاة، وما ذلك إلا لانحرافهم عن جادة الكتاب والسنة، فصاروا يخبطون خبط عشواء في دجنة، ولما كان الرجال أقوياء، والنساء ضعيفات، وقع الإجحاف في الأحكام، وطبقوا ما يعتقد فيهم أعداؤهم الأوروبيون من غمط حقوق النساء واستعبادهن، فشوهوا بذلك محاسن الشريعة المطهرة الحنيفية، وتعدى الجنسان حدود الله، وانعدم الإخلاص بين البعول والأزواج، وعم الفريقين الشقاء واللجاج).
وهذا بيان..رائع.