ارحموا هذا التعليم رجاء… ذ.أحمد اللويزة

مرة أخرى التعليم في المغرب في الحضيض، وضمن قائمة أسوأ الدول تعليما في العالم، هذه الدول التي لا تعرف استقرارا سياسيا أو أمنيا، أو تعاني من كثرة النمو والتضخم السكاني، أو ينخرها الفساد الإداري، أو تعاني من قلة الموارد.
هذه الدول دائما وفي كل تقرير سنوي لليونسكو يرافقها المغرب ويساندها في المحنة، بأن يكون شريكا لها في المأساوية والكارثة التي تهم قطاعا حيويا ومهما لكل تقدم ونمو وتطور وبقاء، لكل شعب ودولة، إنه التعليم الذي يرهن الحاضر بالمستقبل، لكن يبدو أنه لا مستقبل لهذا الشعب مع هذه الفضائح المدوية، حيث التعليم يواصل السقوط كل عام، وأستطيع أن أقول بأنه في قعر بعيد، بل أقول إنه جثة هامدة لم تدفن بعد.
إنه واقع نلامسه يوما بعد يوم، ومهزلة نعيش فصولها باستمرار، وفشل ندبره إلى حين، حيث المستوى التعليمي ضحل ضحالة بلا نهاية، وكارثي بما تحمل الكلمة من معنى، ولست هنا أرسم لوحة سوداء تشاؤما عن واقع التعليم ببلادنا، ولكنها الحقيقة المرة التي لن يخفيها غربال الكلام المنمق والتصريح المضلل.
واقع مر، تثبته الحقائق على الأرض، وينطق به فشل ذريع، وتزكيه الأرقام، وتصادق عليه التقارير العالمية، ويتكرر المشهد البئيس وتمضي الحافلة التي يقال عنها كل مرة أنها غير صالحة للسفر، لكن السائق غير عابئ بالنصائح ولا مهتم بالتحذير، ما يهمه أنه يسير ويحمل معه ركابا هم مشروع ضحايا بلا شك، وهو يمشي في منعرجات الحسابات الضيقة والصراعات الفارغة والصفقات المشبوهة، ثم القفز بعد تيقن الهلاك، لنعدد بعد ذلك موتانا ونبكي عليهم لحظة الفراق ثم ننساهم بعد أن نواريهم التراب.
رغم أن التعليم في المغرب جعل من القضايا الكبرى التي ينبغى أن تحظى بالاهتمام الخاص بعد قضية الوحدة الترابية، إلا أنه لا شيء تغير على الأرض بل ما من عام يأتي إلا والذي بعده شرّ منه.
وهنا يطرح أكثر من سؤال، أبرزه؛
أين الخلل؟ ويتفرع عنه:
هل هناك فعلا رغبة صادقة للإصلاح عند من يتولى هذه المهمة الصعبة؟
هل يدرك المسؤولون حجم الكارثة وحقيقة مشاكل التعليم بالبلد؟
هل هناك استيعاب حقيقي لحاجات القطاع؟
هل سيبقى التعليم رهين عقلية التجريب والاستيراد والإملاءات والصفقات؟؟؟
إلى متى يبقى التعليم منزوعا عن الهوية؟
ولم يسعى القوم إلى فرض هوية عبر التعليم لا تناسب تراب وماء وهواء هذا الوطن؟
هل هناك نية مبيتة لا يخطئها الحدس والتأمل لوأد التعليم وإنتاج أجيال فارغة قابلة لاستهلاك الرداءة، خانعة غير واعية بمجريات الأحداث مفصولة عن التاريخ مضطربة الهوية فاقدة للبوصلة تعيش تحت عتبة الجهل والفراغ المعرفي والروحي، حتى تسهل السيطرة عليها من طرف نخبة التعليم المتطور والذكي الذي يتلقاه رجال الغد في ظروف مناسبة بالغة في التطور والجودة، فحتى التعليم الخصوصي الذي ارتبط في الذهنية المغربية بالكفاءة والمردودية لم يعد ينتج إلا معدلات منتفخة وعقولا فارغة في أغلب الأحيان، ولم يعد إلا مجالا للربح السريع ليس إلا…
إذا استمر الحال على هذا الحال فبئس المآل، فرجاء لا تحفروا أعمق مما حفرتم فأولى بالسقوط من حفر.
ما لم يرتبط التعليم بالخصوصية، وترسيخ الهوية وخدمة الوطن، كما هو شأن كل منظومات التعليم الناجحة في العالم، فلن يبقى في الحضيض فحسب، ولكن سينزل في الحضيض دركات.
فكل محاولات ما يسمى بالإصلاح باءت بالفشل، والفشل الذريع؛ المخطط العشري والمخطط الاستعجالي، بيداغوجيا الإدماج…، منظومة مسار، والحبل على الجرار، دون جدوى أو ظهور أي إرهاصات التغيير الإيجابي، لأن الاستيراد والاستنساخ والتنزيل من بيئة إلى أخرى أمر سلبي يقتل جينات مقاربات الإصلاح التي نشأت في أرض مغايرة لما يراد لها أن تصلح بما صلحت به الأخرى، ناهيكم عن الاهتمام بمجالات الإصلاح الفلكلورية التي لا تلامس الواقع ولا تلبي حاجيات القطاع الملحة، وكأن رجال الوطن ونساءه عاجزون عن الابتكار والإبداع في مجال تطوير التعليم والخروج به من حالة الغيبوبة.
فالتعليم يحتاج إصلاحا جدريا عميقا لا بد فيه من التضحية بجيل ولد مشوها ونما على ذلك، فاستدراك ما فات يصعب في ظل الإمكانيات والتجاذبات الواقعة بين جماعات المجتمع، ومن تم وجب تفكيك المنظومة ووضع الأساسات بعيدا عن سياسة الرتوش والتنميق والتزويق، فهل بمنظومة مسار مثلا سيصلح التعليم؟ كلا؛ بل من حسنات هذا البرنامج كشف الخفاء وإزالة الالتباس عمن لا زال يظن أن التعليم ببلادنا لا زال واقفا على رجليه أو يخيل له ذلك. وأخشى أن يتم التراجع عنه بعد كشفه للحقيقة وإنفاق الأموال الطائلة.
فلا بد من العناية بالتعليم الأولي وتأهيله.
والاهتمام بالتعليم الابتدائي وتمكينه من ظروف العمل المناسبة، وعلى رأسها محاربة الاكتظاظ وتوفير الموارد البشرية وتوفير ظروف مناسبة للعمل بأريحية لأساتذته ولا سيما بالعالم القروي والمناطق النائية.
وأن لا يصدر من هذا المستوى إلا التلاميذ الأكفاء للمستوى الإعدادي ويتحفظ بضعاف المستوى حتى يستدرك ضعفهم. حتى لا نبقى رهائن للخريطة المدرسية البئيسة التي تهتم بالأرقام ولا تهتم بالنتائج.
ونفس الشيء من الإعدادي إلى التأهيلي، حتى يكون مستوى التلاميذ مناسبا لما يدرسونه في كل قسم.
وأن يفصل بين الجنسين حتما بسبب تدني القيم والسلوك وعدم اهتمام التلاميذ بالدراسة نظرا لكثرة الاغراء والإغراء المتبادل.
ومن جهة أخرى لا بد للبرنامج التعليمي أن يحقق المقاصد الكبرى التي حددها ميثاق التربية والتكوين، وعلى رأسها العقيدة واللغة والوحدة الوطنية، فكيف ونحن نرى تعليما يحارب الهوية ويرسخ التبعية وينتج الفشلة والعاجزين عن قراءة نص بالعربية قراءة سليمة أو الإدلاء بفكرة واضحة قيمة في موضوع ما.
الأمر أخطر من أن تصفه حروف وكلمات تعجز عن وصف الحقيقة وليس من رأى كمن سمع، فلا يعقل أن تجد أكثر من تسعين بالمائة لا يعرفون كم عدد سور القرآن ولا كم عدد الأحزاب فيه، ولا من هو أول نبي، ولا متى ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بله أن يحفظوا من القرآن جزء أو جزئين ولو من قصار السور، حتى أن الفاتحة لا يحفظها بعضهم.
هذا على سبيل المثال لا الحصر وفي مادة تعتبر أس الهوية وبناء الشخصية، لقد ضاع هذا الجيل وإثمه على من تولى أمره وخانه وأضله وتركه عرضة للضياع، تتقاذفه أمواج الانحلال والفجور والإدمان…
فإذا كانت وزارة التعليم عاجزة عن تعليم أبنائها، فكونها وزارة التربية أيضا فذلك أمر لا مجال للحديث عنه فهو في حكم المعدوم إلا ما رحم الله، والنادر لا حكم له، وتلك قصة أخرى لها زفرات نفثها في غير هذا المقال والله المستعان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *