62 عاماً.. نزيف متواصل د. سامح عباس

تمر في هذه الآونة الذكرى الثانية والستين على اغتصاب فلسطين على يد اليهود الصهاينة، ولا تزال الأمة العربية تقف عاجزة عن تحريرها، أو حتى السعي إلى فك أسرها من براثن الاحتلال الصهيوني الغاشم.
62 عاماً مرت ولا يزال العدو الصهيوني يمارس البلطجة العلنية ضد الفلسطينيين، ويواصل استحلال أراضيهم وممتلكاتهم وتراثهم، وربما الأصعب من كل ذلك مقدساتهم الدينية وأعراضهم .
مرت العقود الستة الماضية ولا يزال العدو الصهيوني يقبع على جسد الأمة العربية، ليزيد من آلامها وأحزانها، وليشعرها دوماً بمدى عجزها ووهنها في مواجهة مخططاته ومؤامراته، بل والأدهى أن بعض الدول العربية تهرول نحو التطبيع السري والعلني مع تل أبيب، دون أدنى اكتراث واهتمام بمعاناة الفلسطينيين اليومية، فيما تنشغل دولاً عربية أخرى بالعدو الفارسي الجديد، الذي بدأ الظهور على ساحة “الشرق الأوسط”، ليسهم من جانبه في فرض الهيمنة الصهيونية في المنطقة؛ بينما دول عربية أخرى غارقة حتى النخاع في مشاكلها وأزماتها الداخلية، لتضيع القضية الفلسطينية ثانية بين التخبط والانقسام العربي المتواصل، ولعل خير دليل على ذلك القمة العربية الأخيرة التي عقدت في مدينة سرت الليبية التي خرجت بقرارات واهية، أبعد ما أن تكون عن الردع، من أجل رفع الظلم والمعاناة عن الفلسطينيين، وظلت تلك القرارات العربية المخجلة تدور في فلكها المعهود، ولم تتجاوز حدود الشجب والإدانة المعهودة للكيان الصهيوني.
لقد أخطأ العرب طوال العقود الماضية عندما اعتقدوا بأن الدعم المادي بمفرده الذي يقدموه للفلسطينيين هو أكبر دعم يتم تقديمه لهم لمواجهة المخططات الصهيونية، وهو ما قد أفسد القيادات الفلسطينية، وحول نضالهم من أجل قضيتهم إلى صراع من أجل بسط السيطرة والسلطة للتحكم في الموارد المالية التي يحصل عليها الفلسطينيون، وتحولت قيادات السلطة الفلسطينية، إلى قيادات متسولة يستشري بينها الفساد، وهو ما أسهم في ضعف قوة النضال الفلسطيني في السنوات الأخيرة، لإدراك الصهاينة بأن الفلسطينيين باتوا مشغولين بأشياء أخرى غيرها.
لقد أصبحت المليارت التي يقدمها العرب للفلسطينيين على الورق كل قمة عربية مجرد “شو إعلامي” للتباهي والتفاخر بأن دولة عربية دفعت أكثر من دولة أخرى، وهكذا يظل “مزاد” فلسطين للأموال مفتوحاً كل عام، دون أن يحدث أي تقدم في العام التالي..
هكذا ظل الحال طوال الـ62 عاماً الماضية.. فالفلسطينيون يحتاجون منا كعرب أموالاً لدعمهم بقدر ما يحتاجون إلى مواقف وخطوات إيجابية رادعة للعدو الصهيوني، أهمها مقاطعة عربية فعالة للكيان الصهيوني ولكل دولة تدعمه في جميع المجالات، وهو ما سيكبده خسائر فادحة لا حسر لها ستجبره رغما عن أنفه على إعادة حقوق الفلسطينيين، لأنه سيشعر وببساطة بأن هناك ما قد يخسره.
ولن نتحدث هنا عن الدعم العسكري والحربي للفلسطينيين، لكي لا يتهمنا أحد بأننا دعاة حرب أو محرضون عليها، بل نتحدث عن مقاومة سلمية وبأبسط الوسائل.. فسلاح المقاطعة يخشاه الصهاينة بشدة لأنهم مرتبطون بالاقتصاديات العربية المحيطة بهم.. كما أن هذا السلاح سيشعر الفلسطينيين بأن العرب يقفون إلى جانبهم، وأنهم مستعدون لفعل أي شيء لمساعدتهم ودعمهم.. فالتعاطف والتبرع المالي وحدهما لا يكفيان.
لقد تحول الحديث العربي عن قيام الدولة الفلسطينية، كحديث سخيف تمل منه أذن كل عربي حر، يأمل في رؤية الأقصى محرراً، وأصبحت التعهدات العربية في هذا الصدد بمثابة “كلاشيهات” يطلقها الزعماء العرب لتخدير أبناء الأمة سياسياً، وللتغطية على عجزهم في مواجهة التبجح الصهيوني المتواصل، ويعلقون أسباب هذا العجز على مبرر الدعم الأمريكي المتواصل للصهاينة حتى مع وصول الرئيس الأمريكي بارك أوباما لسدة الحكم في واشنطن ودخوله في مواجهات سياسية صورية مع حكومة تل أبيب، توهموا بأن تمارس الولايات المتحدة ضغوطا على الصهاينة من أجل حصول الفلسطينيين على بعض حقوقهم، لكنهم كانوا يشعرون بالخيبة والعجز عندما تصدر تأكيدات من البيت الأبيض على تعهد واشنطن في كل وقت بالوقوف دوماً إلى جانب تل أبيب، على الرغم من بعض الخلافات في الرأي التي قد تنشب بينهما.
لقد شهدت الـ62 عاماً الماضية كثير من المواجهات والحروب بين العرب والصهاينة لكن جميعها لم تكن من أجل تحرير فلسطين، فيما عدا حرب 1948 التي كانت مع عصابات اليهود في فلسطين، وخُدع فيها العرب خدعة كبرى. فقد خاض العرب ضد الصهاينة حرب 1956، حرب يونيو1967، حرب السادس من أكتوبر 1973، حرب لبنان الأولى والثانية عامي 1982، 2006، فهذه الحروب لم تكن لتحرير الأقصى أو حتى لتحرير أجزاء من فلسطين. فكل دولة عربية اهتمت بنفسها فقط، لحماية مصالحها، كما أن البعض استغل القضية الفلسطينية للمتاجرة بها ولتحقيق أغراض أخرى، كما فعل “حزب الله” الشيعي اللبناني، الموالي لإيران.
لذلك أضاع العرب القضية الفلسطينية بين خلافاتهم وأزماتهم، ولا زالوا يكررون الخطأ الفادح نفسه، وباتت المسألة مجرد شعار يجب ترديده في كل اجتماع عربي، لرفع الخزي والعار عن العرب لتخاذلهم عن نصرة الأقصى وتحرير فلسطين، فهل سيواصل الكيان الصهيوني اغتصاب فلسطين خلال الـ62 عاماً القادمة وسط عجز عربي كامل لتحريرها من براثن الاحتلال الغاشم؟..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *