بيان الباطل والإنكار على من وقع فيه رحمة وإحسان, لا تشفي وانتقام

من الأصول المقررة عند أهل السنة: أن الرد على أهل الأهواء, وبيان الباطل والإنكار على من وقع فيه -لمن تأهل لذلك وأحسنه- من أهم المهمات وأعظم الواجبات.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “واشتد نكير السلف والأئمة للبدعة, وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض, وحذروا فتنهم أشد التحذير وبالغوا في ذلك بما لم يبالغوا في إنكار الفواحش والظلم والعدوان, إذ مضرة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد” المدارج 1/327.
وقال المروذي رحمه الله: “قلت لأبي عبد الله, يعني: إمامنا (الإمام أحمد): ترى للرجل أن يشتغل بالصوم والصلاة ويسكت عن الكلام في أهل البدع؟ فكلح في وجهه وقال: إذا هو صام وصلى واعتزل الناس, أليس إنما هو لنفسه؟ قلت: بلى. قال: فإذا تكلم كان له ولغيره, يتكلم أفضل” طبقات الحنابلة 2/216.
لكن مما ينبغي الحذر منه في هذا المقام: التعدي ومجاوزة الحد المشروع عند بيان الباطل والإنكار على أهله.
قال تعالى: “وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله في معرض ذكره لفوائد قوله تعالى: “عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتهم”: “ألا يعتدي على أهل المعاصي بزيادة على المشروع في بغضهم أو ذمهم أو نهيهم أو هجرهم أو عقوبتهم… فإن كثيرا من الآمرين الناهين قد يتعدى حدود الله إما بجهل وإما بظلم, وهذا باب يجب التثبت فيه وسواء في ذلك الإنكار على الكفار والمنافقين والفاسقين والعاصين”, ثم قال: “وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين الأمة وعلمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل… كما بغت الرافضة على المستنة مرات متعددة, وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته,… وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به وهو الإسراف المذكور في قولهم (ربنا اغفرنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا)” الفتاوي 14/481-483.
وها هو الإمام الذهبي رحمه الله يبين أن بغض المبتدعة أدى بالبعض إلى تجاوز طريقة السلف والخروج عن العدل فقال في ترجمة يحيى بن عمار رحمه الله: “وكان متحرقا على المبتدعة والجهمية, بحيث يؤول به ذلك إلى تجاوز طريقة السلف وقد جعل الله لكل شيء قدرا” تهذيب السير 3/1231.
وذكر أيضا في ترجمة ابن منده رحمه الله: “أنه نهى عن الدخول على بعض من وقع في مخالفة مذهب السلف في أمور تخص الاعتقاد، وقال (أي: ابن منده): “على الداخل عليهم أحرج أن يدخل مجلسنا أو يسمع منا, أو يروي عنا, فإن فعل فليس هو منا في حِلّ”.
وعلق الذهبي على ذلك فقال: “قلت: ربما آل الأمر بالمعروف بصاحبه إلى الغضب والحدَّة, فيقع في الهجران المحرم, وربما أفضى ذلك إلى التكفير والسعي في الدم” السير.
وعليه فليس من العدل ولا من المروءة أن يستغل المتبع لطريقة السلف الصالح, ومنهج أهل السنة والحديث تبديع العلماء المعتد بهم لشخص وتحذيرهم منه ومن كلامه, فيفرِّغ أحقاده الشخصية, ويلبسها ثوب الحرص على السنة, والنقمة على البدعة, مستجيبا لدعاوي الهوى التي تحركه فيتجاوز الحدود الشرعية وطريقة السلف المرعية.
يقول ابن تيمية رحمه الله عن المبتدع: “يُبيَّن أمره للناس ليتقوا ضلاله ويعلموا حاله…وهذا كله ينبغي أن يكون على وجه النصح وابتغاء وجه الله تعالى, لا لهوى الشخص مع الإنسان, مثل أن تكون بينهما عداوة دنيوية, أو تحاسد, أو تباغض, أو تنازع على الرئاسة, فيتكلم بمساويه مظهرا للنصح, وقصده في الباطن الغض من الشخص واستيفاؤه منه, فهذا من عمل الشيطان” الفتاوي 28/221.
وفي تعليله رحمه الله للقول بهجر المبتدع الداعي لبدعته والتغليظ في ذمه يقول: “والمقصود بذلك ردعه, وردع أمثاله, للرحمة والإحسان لا للتشفي والانتقام” منهاج السنة 5/239.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *