التطاول على مقام العلماء -6- د. يوسف بن محمد مازي

الأسباب
يمكن إجمال أسباب هذه الظاهرة في مظاهر مختلفة تؤول كلها إلى التطاول والتنقيص، ولو اختلفت المظاهر وتنوعت تجلياتها:
1- الغيبة من أجل إرضاء الجلساء والأصحاب، والحرص على موافقتهم، والخوض في ما يخوضون فيه، فتؤدي هذه الحال إلى التطاول على المغتاب.
2- الغيبة التي تكون في قالب الدين والصلاح، فالدافع في ظاهره الإصلاح لكن القصد على خلافه؛ التطاول والتنقيص من المغتاب.
3- الغيبة بسبب الرياء ومدح النفس مع انتقاص الغير، كأن يقول والله إنه مسكين أو رجل جيد ولكن فيه كذا وكذا، فيقصد استنقاصه وهضما لجنابه.
4- الغيبة التي سببها الحسد، فتمنيه زوال النعمة عن المغتاب، وعدم الرضى بتمتعه بها يدفعه إلى الغيبة والتطاول، فيضع تصرفات المغتاب تحت مجهر التدقيق والمتابعة.
5- الغيبة في قالب السخرية ليضحك غيره، فدافعها الاستهزاء، واللعب، والتنابز بالألقاب وغيره.
6- الغيبة في قالب التعجب، مثل: كيف لا يفعل كذا؟ كيف فعل كذا؟ كيف سولت له نفسه أن يفعل كذا؟ فيظهر التعجب وقصده التطاول.
7- الغيبة بسبب التشفي وحب الانتقام والتحامل مع اتباع الهوى.
8- الغيبة بسبب الغضب والإنكار المتجاوز لحده، والذي يفضي دوما إلى التظلم.
9- إخراج الغيبة مخرج الاغتمام؛ كأن يقول «غمني ما جرى له أمام الناس»، وهو لا يهمه أمر المغتاب وإنما يتشفى به.
10- داء الجهل، قديما قيل الإنسان عدو ما يجهل، ومن جهل شيئا عاداه، ومن اعتقد في شيء دافع عنه وتمسك به، ولو كان غير صحيح؛ فإذا ما نُصح مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، كحضور محاضرة أو سماع شريط أو قراءة كتاب تطاول باللسان على مخالفه، وادعى أن ما لديه صواب لا يحتمل الخطأ، وما لدى غيره خطأ لا يحتمل الصواب.
11- التعالم، وأخص بالذكر الأَبَتثِي(1) الذي صرعه الجهل فتشبع بما لم يعطه، فتراه ينصب نفسه مرجعا للفتيا، ويتملكه العجب فيلمز العلماء ويسفه أقوالهم، ويتطاول على مقامهم، لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إنكم لن تزالوا بخير مادام العلم في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير»(2).
وقال المأمون متهكما بهذا الضرب من الطلبة: «يطلب أحدهم الحديث ثلاثة أيام ثم يقول: أنا من أهل الحديث».
وفيهم أيضا قال أبو الحسن القالي رحمه الله:
لما تبدلت المجـالـس أوجـهــا غير الذي عهدته من علمائها
ورأيتها محفوفة بسوى الألى كانوا ولاة صدورهـا وفنائها
أنشـدت بيتـا سـائـرا متـقـدمـا والعين قد شرِقَت بجاري مائها
أمــا الخيــام فإنهـا كخيـامهـم وأرى نساء الحي غير نسائها
يتبع..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- الشخص الذي لا يعرف إلا حروف الهجاء أ-ب-ت…
(2)- جامع بيان العلم / 1059 : ص 617.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *