سلسلة التوحيد عند السادة الصوفية: إبليس أفضل الموحدين عند المتصوفة أبو محمد عادل خزرون التطواني

[يقول صاحب كتاب كشف القوانين في شرح قوله: (قيل لإبليس اسجد ولأحمد انظر هذا ما سجد وأحمد ما نظر ما التفت يمينا ولا شمالا ما زاغ البصر وما طغى):
واعلم أن علة سقوط إبليس عن العين إباؤه عن السجود وإن صحت دعواه؛ وأما أحمد فإنه قيل له أنظر إلى الزخارف التي حول العين فما نظر إليها وما بغى سوى العين؛ ولم يلتفت يمينا ولا شمالا لكونه مستهلكا في العين فلما صحت وصدرت دعاوى من إبليس وأحمد عقد لهما اختبارا لقياس حقيقة الدعوى فبان ما بان من طينة كل منهما ].
وما كان في أهل السماء موحد مثل إبليس حيث إبليس تغير، عليه العين، هجر الألحاظ في السير، وعبد المعبود على التجريد، ولعن حين وصل التفريد، وطلب حين طلب المزيد، فقال له (اسجد)- قال “لا غير” قال له: (وإن عليك لعنتي) قال: “لا غير”.
[قال صاحب كتاب كشف القوانين: لما قيل له اسجد فإنه أبى وقارن نفسه بالأمر الإلهي فرجع إلى حوله بقوله: أنا خير منه ولم يعلم أن حقيقة السجود كانت للحق عز وجل وإن كان المستخلف في الحضرة الصورة الآدمية فأخفق؛ وأما أحمد عليه السلام فبلغ ما بلغ ورجع عن حوله لكونه مستهلكا في العين فلا حول له مع حول الله بل صدر منه قوله: “لا حول ولا قوة إلا بالله” ولم يقل بي] .
قال أبو عمارة الحلاج وهو العالم الغريب:
تناظرت مع إبليس وفرعون في الفُتُوَّة فقال إبليس: “إن سجدت، سقط عني اسم الفتوة” وقال فرعون: “إن آمنت برسوله، سقطت من منزلة الفتوة” وقلت أنا: “إن رجعت عن دعواي وقولي، سقطت من بساط الفتوة” .
[ قال صاحب كتاب كشف القوانين في قوله: (تناظرت مع إبليس وفرعون في الفُتُوَّة) وهي مناظرة روحية خلاصتها قيام الأعيان في الأوامر الإلهية والمناصب التي عينها الحق عز وجل لهذه الأعيان، وفي نظر الحلاج رضي الله عنه أن أعظم الفتوة الحقة هي القيام بالمناصب الإلهية وإن كانت المناصب بخلاف الشرائع فإن المحب ما خرج عن مراد المحبوب لكون إرادته فيه هكذا فماذا يفعل المحب إلا أن ينفذ غرض المحبوب ومراده].
وقال إبليس (أنا خير منه) [الأعراف: 12] حين لم يراء غيره غيرا، وقال فرعون: (ما علمت لكم من إله غيري) [القصص: 38]. حين لم يعرف في قومه من يميز بين الحق والباطل.
وقلت أنا: “إن لم تعرفوه فاعرفوا آثاره، وأنا ذلك الأثر، وأنا الحق، لأني ما زلت أبدا بالحق حقا!
فصاحبي وأستاذي إبليس وفرعون، وإبليس هُدّد بالنار، وما رجع عن دعواه، وفرعون أغرق في اليم، وما رجع عن دعواه، ولم يقر بالواسطة البتة، وإن قتلت أو صلبت أو قطعت يداي ورجلاي، ما رجعت عن دعواي”.
اشتق اسم “ابليس” من اسمه، فغير “عَزَازيل” العين لعلق همته، والزاي لازدياد الزيادة في زيادته، والألف أزادُهُ، في ألفَتِهِ، والزاي الثانية لزهده في رتبته والياء حين يأوي إلى سَهِيقَتِهِ، واللام لمجادلتهِ في بليته، قال له “لا تسجد؟ يا أيها المهين” قال: “مُحِب، والمحِبُّ مَهِينُ.
قلت: فالملاحظ في ما ادعاه الحلاج بقوله: أن إبليس إنما لم يسجد لله لاعتقاده عدم الغيرية: وأن فرعون لم يتبع موسى عليه السلام لإسقاطه الوسائط، والزعم بالأخذ عن الله مباشرة، أو بمعنى آخر نفي التعددية وهو المقصود هنا قطعاً. كما جعل منهما قدوته ومثله الأعلى في التمادي على الغي والضلال، ونتخلص من هذا النص ما يؤكد أن الحلاج لم يرجع عن عقيدة الحلولية حتى مات، بل لم يزل يدعو إليها حتى وهو أمام خشبة الصلب حيث كان يقول لأصحابه وهو على تلك الحالة: (لا يهولنكم ما ترون فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوماً).
قال الحافظ الذهبي: (فهذه حكاية صحيحة توضح لك أن الحلاج ممخرق كذاب حتى عند قتله .
وليس غريباً أن يتخذ الحلاج من إبليس مثله الأعلى في الكفر فهو القائل: (وما كان في أهل السماء موحد مثل إبليس حيث إن إبليس تغير عليه العين، وهجر الألحاظ في السير وعبد المعبود على التجريد) .

يتبع بحول الله…..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *