من مميزات منهج السلف الوسطية في باب الصحابة نور الدين درواش

سبق الحديث في حلقة ماضية عن مكانة صحابة رسول لله صلى الله عليه وسلم وأن تعظيم قدرهم وإتباعهم من أخص خصائص منهج السلف ومميزاته، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه رضي عنهم فقال: “لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً” الفتح: ١٨.
ووعدهم بالحسنى فقال: “لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” الحديد: ١٠.
قال الإمام القرطبي في قوله تعالى: “مِن قَبْلِ الْفَتْحِ” “أي المتقدمون المتناهون السابقون، والمتأخرون اللاحقون وعدهم الله جميعا الجنة مع تفاوت الدرجات”
كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سَبِّهم فقال: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نَصِيفه) رواه البخاري.
“مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ” الفتح: ٢٩.
قال الإمام مالك: “من أصبح من الناس في قلبه غيظ على الصحابة فقد أصابته هذه الآية.
قال القرطبي بعد إيراده هذا: “لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله فمن نقص واحدا منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين”.
ولقد هلك في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة فرق من الذين حادوا عن الحق:
*- الخوارج:
اتفق الخوارج المارقون على تكفير سيدنا عثمان وسيدنا علي رضي الله عنهما؛ قال السَّكْسَكِي -رحمه الله- عنهم: “وقد أجمعوا على صحة إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وعلى تكفير عثمان وعلي رضي الله عنهما وتكفير كل فرقة سواهم” البرهان في عقائد أهل الأديان ص19.
*- المعتزلة:
أما أئمة الاعتزال كواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد والنَّظَّام.. فإنهم لا يتورعون عن الولوغ في أعراض الصحابة والنيل منهم وتفسيقهم والتبرؤ منهم واتهامهم بالعظائم.
*- الشيعة:
أما الشيعة فقد جمعوا بين الغلو المُفْرِط والجفاء المُفَرِّط؛ فطعنهم في عامة الصحابة معروف ومشهور ويكفي أنهم يكفرونهم إلا نزرا يسيرا فقد جاء في الكافي للكليني: “كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة؛ المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي” 8/245.
ويصفون الشيخين أبا بكر وعمر وابنتيهما حفصة وعائشة رضي الله عن الجميع بأقبح الأوصاف… وإن علامة الخذلان ودليل الخزي والعار والهوان أن يناصب المرء العداء لصحابة نبي الأمة وحملة لواء السنة وحَسْبُ هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين” صحيح الجامع.
ومن جهة أخرى فإن الشيعة يغلون في علي بن أبي طالب وآل البيت ويفضلونهم على سائر الصحابة ويرون عصمتهم وأنهم يعلمون الغيب بل إن غلاتهم من السبئية يؤلهون عليا رضي الله عنه.
قال عبد القاهر البغدادي: “السبئية: أتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا في علي رضي الله عنه وزعم أنه كان نبيا ثم غلا فيه حتى زعم أنه إله ودعا إلى ذلك قوما من غواة الكوفة ورُفع خبرهم إلى علي رضي الله عنه فأمر بإحراق قوم منهم في حفرتين” الفرق بين الفرق ص233.
وهدى الله أهل السنة وأتباع السلف لأمثل منهج وأرشد طريق وأهدى سبيل، فكانوا وسطا في هذا الباب كما في غيره، فهم يتولون كل الصحابة رضوان الله عليهم ويترضون عليهم ويعتقدون أنهم خير الخلق بعد الأنبياء وأن خيرهم الخلفاء الراشدون الأربعة ولا ينتقصون أحدا منهم فضلا عن أن يكفروهم ومع ذلك فلا يرون عصمة أحد منهم.
وهم أيضا وسط في علي بن أبي طالب رضي الله عنه بين الجفاة الطاعنين فيه من الخوارج والمعتزلة والنواصب وبين الشيعة الغلاة الذي رفعوه فوق مقامه.
فملاك القول إذن أن أهل السنة هم أسعد الناس بصحابة رسول الله وصلى الله وعليه وسلم وبمنهجهم، وهم القوم لا يشقى مُتَّبعهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *