اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم “الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان”

الإتباع لما جاء في الشرع دون زيادة ولا نقصان هو أصل الأصول، وأساس كل علم وعمل بل هو الدين كله.

قال تعالى: “وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً”.
قال الشوكاني رحمه الله: “(وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) من القرآن أي: اتبع الوحي في كل أمورك ولا تتبع شيئا..من الرأي البحت فإن فيما أوحي إليك ما يغنيك عن ذلك وجملة (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) تعليل لأمره باتباع ما أوحي إليك والأمر له صلى الله عليه وسلم هو لأمته، فهم مأمورون باتباع القرآن كما هو مأمور باتباعه” فتح القدير 4/370.
وفي لسان العرب: “اتبعت الشيء: سرت في إثره، وتبعت القوم: مشيت خلفهم”.
فالإتباع شرعا: السير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه في كل ما هو دين وشرع دون ابتداع ولا إحداث فإن في الشريعة الغنية والكفاية.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق” شرح إعتقاد أهل السنة للالكائي 1/86 والسنن للدارمي 86.
ومعنى قوله: كفيتم: أي: في العقائد والعبادات والمنهاج، وأمر السلوك والأخلاق، بحيث لا يحل الزيادة عليها ولا النقصان منها وذلك لكون الدين قد تم وكمل كما قال تعالى: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً”.
قال ابن كثير عند هذه الآية: “هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن فلا حلال إلا ما أحله ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف” تفسيره 2/19.
وقال الشاطبي رحمه الله: “الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان” الاعتصام 1/49.
ومن تم فإنما اشتغلت قلوب طوائف من الناس بأنواع من العبادات المبتدعة -إما من الأدعية، وإما من الأشعار، وإما من السماعات ونحو ذلك- لإعراضهم عن المشروع أو بعضه، أعني: لإعراض قلوبهم وإن قاموا بصورة المشروع وإلا فمن أقبل على الصلوات الخمس -مثلا- بوجهه وقلبه عاقلا لما اشتملت عليه من الكلم الطيب والعمل الصالح مهتما بها كل الاهتمام أغنته عن كل ما يتوهم فيه خير من جنسها.
ومن أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بعقله وتدبره بقلبه وجد فيه من الفهم والحلاوة والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام: لا منظومه ولا منثوره.
ومن اعتاد الدعاء المشروع في أوقاته كالأسحار وأدبار الصلوات ونحو ذلك أغناه عن كل دعاء مبتدع في ذاته أو بعض صفاته.
فعلى العاقل أن يجتهد في اتباع السنة في كل شيء من ذلك، ويعتاض عن كل ما يظن من البدع أنه خير بنوعه من السنن، فإنه من يتحرَّ الخير يعطه، ومن توق الشر يوقه.
فالله الله في السير وفق ما جاءت به الشريعة حذو القذة بالقذة فإن ديننا دين اتباع لا دين رأي وابتداع، ومما يوضح ذلك ويمثل قمته قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحجر الأسود: “والله إني لأعلم إنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولو لا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك” أخرجه البخاري وغيره.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة فيه” الفتح 3/462.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *