ضرورة تزكية النفوس “تزكية النفس أن يعلم العبد أن الله عز وجل معه حيث كان”

مراعاة حال القلب والنفس وملاحظتهما والسعي دوما في إصلاحهما وصيانتهما عما يفسدهما من المعاصي والذنوب مما لا بد منه, ولا سبيل إلى ذلك إلا بتزكية النفوس.

قال تعالى: “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ”.
قال القرطبي رحمه الله: “(وَيُزَكِّيهِمْ) أي: يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان قاله ابن عباس..” الجامع لأحكام القرآن.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يسأل الله عز وجل هذه الزكاة فيقول: “اللهم آت نفوسنا تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها” رواه مسلم وغيره.
ولأهمية هذا الباب, ولأنه أصل من أصول أهل السنة فقد ضمنه أهل العلم كتبهم العقدية، أنظر اعتقاد أهل السنة للإسماعيلي, وعقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني, والحجة في بيان المحجة للأصفهاني.
وها هو شيخ الإسلام رحمه الله يذكر في العقيدة الواسطية جملة من الصفات السلوكية والأخلاقية لأهل السنة حيث قال: “ويأمرون بالصبر عند البلاء, والشكر عند الرخاء, والرضا بمُرِّ القضاء, ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال, ويعتقدون معنى قوله عليه الصلاة والسلام: “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا”, ويندبون أن تصل من قطعك, وتعطي من حرمك, وتعفوا عمن ظلمك, ويأمرون ببر الوالدين, وصلة الأرحام, وحسن الجوار والإحسان إلى اليتامى والمساكين.. وينهون عن الفخر والخيلاء، والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق، ويأمرون بمعال الأخلاق وينهون عن سفائفها” العقيدة الواسطية، شرح محمد الهراس.
وقال كذلك رحمه الله: “الزكاة في اللغة النماء, والزيادة في الصلاح, يقال زكا الشيء إذا نَمَا في الصلاح, فالقلب يحتاج أن يتربى فينموا ويزيد حتى يكمل ويصلح, كما يحتاج البدن أن يربى بالأغذية المصلحة له, ولا بدَّ مع ذلك من منع ما يضره, فلا ينموا البدن إلا بإعطاء ما ينفعه ومنع ما يضره, كذلك القلب لا يزكوا فينموا ويتم صلاحه إلا بحصول ما ينفعه ودفع ما يضره” الفتاوي 10/96.
وقد بين النبي صلى اله عليه وسلم معنى تزكية النفس ففي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: “ثلاث من فعلهن فقد ذاق طعم الإيمان من عبد الله عز وجل وحده بأنه لا إله إلا هو, وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام, ولم يعط الهَرِمة ولا الدَّرنَة ولا المريضة, ولكن من أوسط أموالكم فإن الله عز وجل لم يسألكم خيرها ولم يأمركم بشرها وزكى نفسه, فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان” الصحيحة.
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم تزكية النفس إحدى الخصال الموجبة لذوق طعم الإيمان، وفسر التزكية بإحدى مراتب الإحسان وهو أن يعبد العبد ربه على أنه يراه مطلع على سره وعلانيته.
مع التنبه على أن هذا المقام كغيره من أمور الدين يجب أن يبنى على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “العلم المشروع والنسك المشروع مأخوذ عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن بنى الإرادة والعبادة والسماع المتعلق بأصول الأعمال وفروعها من الأحوال القلبية والأعمال البدنية على الإيمان والسنة والهدى الذي كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد أصاب طريق النبوة وهذه طريقة أئمة الهدى” الفتاوي 10/362.
وقال ابن القيم رحمه الله: “..وتزكية النفوس مُسلَّم إلى الرسل, وإنما بعثهم الله لهذه التزكية وولاهم إياها, وجعلها على أيديهم دعوة وتعليما وبيانا, فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم..
وتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشد, فمن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة التي لم يجئ بها الرسل, فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه, وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب؟ فالرسل أطباء القلوب, فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم وعلى أيديهم وبمحض الانقياد والتسليم لهم والله المستعان” المدارج 2/315.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *