أوصاف صحابة النبي الكريم في آي القرآن العظيم بقلم: عبد القادر دغوتي

هبَت رياح الفضائيات ومحركات البحث عبر الإنترنت في زمن الثورة المعلوماتية، فحملت إلينا ـمن بين ما حملتـ جراثيم و”فيروسات” ثقافية وعقدية أصابت قلوب وعقول بعض من شبابنا ومثقفينا، فتسببت لهم في إحداث خلل في أنظمة العقائد والقيم. وهي فيروسات خطيرة لا يسلم من شرها إلا من توفرت له مناعة قوية: سواء إيمانية عقدية، أو علمية ثقافية.
ومن جملة وأخطر تلكم “الفيروسات”: “فيروس” سب الصحابة الكرام والانتقاص من مكانتهم والجرأة عليهم وإساءة الظن بهم.
فكان لزاما على أطباء القلوب والعقول من العلماء الربانيين أن يتأهبوا لمواجهة هذا الخطر قبل أن يستفحل ويتمكن، ثم كان لزاما على كل مسلم يخشى على نفسه الهلاك أن يبحث عن مصل أو لقاح فعَال يقوي مناعته ضد هذا الوافد الغريب والخطير على منظومتنا العقائدية والقيمية والثقافية.
وإن أعظم لقاح وأنفعه، نجده في صيدلية القرآن الكريم، وهو لقاح مركب من جملة آيات قرآنية كريمة تبين مناقب الصحب الكرام ونقاء جوهرهم ومظهرهم، وعلو هممهم وهاماتهم، وسمو مكانتهم عند خالقهم وخالقنا جل وعلا.
فلنتعرف على بعض أوصاف وشيم الكرام، صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أفادتها آيات كتاب ربنا. وهو الكتاب الذي تكفل الله بحفظه فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وليس بمقدور حاقد أن يزيد فيه أو ينقص، فإن تجرَأ افتُضح وخاب وخسئ.
فلنتدبر هذه الأوصاف في قرآن ربنا:

حب الطهارة والتطهر
قال الله تعالى: “لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ” (التوبة 108).
والمقصود بالطهارة التي وُصف بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة وشهد لهم بها الرب الجليل ـوكفى به شهيداـ؛ هي الطهارة الحسية والطهارة المعنوية.
ـ الطهارة الحسية: أي طهارة البدن والثياب ونحوهما. روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “نزلت هذه الآية في أهل قباء “فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطَهَرين” قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت هذه الآية فيهم”1.
ـ الطهارة المعنوية: وهي التطهر من الشرك والكفر بالإسلام والإيمان، والتطهر من الذنوب والمعاصي بالتوبة والاستغفار. قال أبو العالية في تفسيره لهذه الآية: “إن الطهور بالماء لحسن، ولكنهم المطهرون من الذنوب”، وقال الأعمش: “التوبة من الذنب والتطهر من الشرك”2، وقال الشيخ السعدي في تفسيره لقوله تعالى: “لمسجد أسس على التقوى من أول يوم” الآية: “..وهو مسجد قباء، أسس على إخلاص الدين لله… وأهله فضلاء، ولهذا مدحهم الله بقوله” فيه رجال يحبون أن يتطهروا “من الذنوب، ويتطهروا من الأوساخ والنجاسات والأحداث…”3.

كثرة التعبد لله تعالى بالصلاة التي أجل أركانها الركوع والسجود، مع تحقيق الإخلاص
قال الله تعالى: “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ” الفتح:29.
قال ابن كثير ” وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله عز وجل والاحتساب عند الله تعالى جزيل الثواب، وهو الجنة المشتملة على فضل الله عز وجل وهو سعة الرزق عليهم ورضاه تعالى عنهم… -إلى أن قال- فالصحابة رضي الله عنهم خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم، فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم. وقال مالك رضي الله عنه: “بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا الشام يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا، وصدقوا في ذلك؛ فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم”4.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ سنن الترمذي :3100، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.
2 ـ تفسير القرآن العظيم، لابن كثير.
3 ـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 1/573، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي.
4 ـ تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 7/242 ـ 243

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *