الثبات وعدم التلون في الدين نور الدين درواش

دخل أبو مسعود على حذيفة وقد حضرته الوفاة، فقال له: اعهد إلي.

فقال له: ألم يأتك اليقين؟
قال: بلى وعزة ربي.
قال: فاعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكره وأن تنكر ما كنت تعرفه وإياك والتلون فإن دين الله واحد.” رواه البيهقي في الكبرى وعبد الرزاق في المصتف، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد، وابن بطة في الإبانة الكبرى، أبو نعيم في الفتن وغيرهم.
إن من توفيق الله عز وجل لصاحب السنة؛ أن يجعلها له شعارا ودثارا، لا يبغي بها بديلا، ولا يختار عنها سبيلا… بها يقوم ويقعد… وعليها يعول ويعتمد… يحدوه في ذلك كله حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والصدق في اتباع الشرع الحنيف…
وأعظم من هذا التوفيق؛ عصمة الله للعبد من التلون في الدين والتقلب فيه، والتشكك فيه، وإن العجب لا يكاد ينقضي من حال أناس عرفوا الحق وأبصروه واستيقنوا الباطل وأنكروه… ونفروا الناس عنه وهجروه… حتى أتت عليهم أيام أنكروا فيها ما كانوا يعرفون، وعرفوا ما كانا ينكرون… فصارت البدع والقبورية إحياء للتراث وخصوصية.
وقد صح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء”، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك” رواه مسلم.
“ترى أناساً على علم ودراية بل على تشدد في يوم من الأيام في أمور ثم ينقلب على رأسه وينكر ما كان يعرف!
ورأينا قوماً ألفوا في الرد على الضالين وتضليلهم ثم ما لبثوا أن صافحوهم وانصرفوا إلى أمور أشد وأشنع، وقوماً آخرين كفَّروا بعض المبتدعة ثم ألحوا بضرورة توحيد كلمة المسلمين على اختلاف مشاربهم…! تناقض بين طرفي نقيض!
اللهم الطف بنا وألهمنا رشدنا. وهذا في الغالب يكون فيمن في قلبه دغل وفساد قصد فيظهره الله منه ويطلع عباده عليه”.
روى الآجري في الشريعة عن معن بن عيسى قال: انصرف مالك بن أنس يوماً من المسجد، وهو متكئ على يدي فلحقه رجل يقال له أبو الجويرية كان يتهم بالإرجاء، فقال: يا أبا عبد الله اسمع مني شيئاً أكلمك به وأحاجك وأخبرك برأيي قال مالك: فإن غلبتني؟ قال: إن غلبتك اتبعتني قال مالك: فإن جاء رجل آخر، فكلمنا فغلبنا؟ قال: نتبعه! قال مالك رحمه الله: يا عبد الله، بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم بدين واحد، وأراك تنتقل من دين إلى دين!
قال عمر بن عبد العزيز من: جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل.
وأخرج البخاري عن حذيفة أنه قال: “يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيداً”.
وفي رواية اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة قال: “اتقوا الله يا معشر القراء خذوا طريق من قبلكم فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا وإن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيداً”.
وروى اللالكائي عن أبي قلابة قال: قال معاذ بن جبل: “أيها الناس إنها ستكون فتنة يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن فيقرأه المؤمن والمنافق، والمرأة والرجل، والصغير والكبير حتى يقول الرجل: قد قرأت القرآن ولا أرى الناس يتبعوني أفلا أقرأه عليهم علانية. قال: فيقرأه علانية فلا يتبعه أحد فيقول: قد قرأته علانية فلا أراهم يتبعوني فيتخذ مسجدا في داره أو قال: في بيته فيبتدع فيه قولا أو قال: حديثا ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإياكم وما ابتدع فإنما ابتدع ضلالة”.
وروى اللالكائي عن عبد الله بن مسعود قال: ألا لا يُقلدن أحدكم دينه رجل، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإن كنتم لا بد مقتدين فبالميت، فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة”.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربوا فيها الصغير ويهرم فيها الكبير؛ إذا تُرِكَ منها شيء قيل تركت السنة! قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: ذلك إذا ذهب علماؤكم وكثرت جهالكم؛ وكثرت قراؤكم وقلت فقهاؤكم؛ والتمست الدنيا بعمل الآخرة وتفقه لغير الدين. رواه الدرامي والحاكم بسند صحيح قال عنه الحاكم: على شرط البخاري ومسلم. ووافقه الذهبي والألباني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *