من مميزات منهج السلف الاحتجاج بخبر الآحاد الصحيح في العقائد والأحكام نور الدين درواش

شاع عند كثير من المخالفين لمذهب أهل السنة والجماعة أن أخبار الآحاد لا تفيد العلم مطلقا، وبَنَوا على هذا الأصل الفاسد أصلا آخر أفسد منه وهو أنه لا يجوز الاحتجاج بأخبار الآحاد في مسائل الاعتقاد، وهكذا فقد ذهب المعتزلة وكثير من متكلمي الأشاعرة إلى أن خبر الواحد لا يحتج به في العقيدة إلا إذا جاء موافقا للعقل، وهذا اعتقاد باطل امتطاه أهل البدع لرد كل ما يخالف أهواءهم وأصولهم وبدعهم.

والقاعدة عند علماء السلف وفقهاء الأمة وجمهور المحدثين والأصوليين؛ أن خبر الآحاد يفيد العلم ويحصل به اليقين إذا احتفت به قرينة أو أكثر ترفعه لمرتبة العلم، وذلك كأن يكون مسلسلا بالأئمة الحفاظ، أو تلقته الأمة بالتصديق والقبول، أو رواه الشيخان أو أحدهما؛ يقول ابن القيم حكاية عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى:
“وأما القسم الثاني من الأخبار فهو ما لا يرويه إلا الواحد العدل ونحوه، ولم يتواتر لفظه ولا معناه، ولكن تلقته الأمة بالقبول عملا به أو تصديقا له.. فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، من الأولين والآخرين. أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع، وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة” (مختصر الصواعق المرسلة: 2/372-373).
ويقول شيخ الإسلام أيضا: “وخبر الواحد المُتَلَقَّى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي و أحمد” (مجموع الفتاوى: 18/41).
قال الشافعي: “إذا حَدَّثَ الثقةُ عن الثقةِ حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم” (الأم:7/177).
ويقول ابن أبي العز الحنفي: “وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا له يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة… ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع” (شرح العقيدة الطحاوية، ص: 308).
كما أجمع الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة أهل العلم على العمل بخبر الواحد والاحتجاج به في العقائد والأحكام.
قال الخطيب البغدادي: “وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعده من الفقهاء الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار لذلك ولا اعتراض عليه. فثبت أن من دين جميعهم وجوبه، إذ لو كان فيهم من كان لا يرى العمل به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه فيه” (الكفاية ص72).
وقال حافظ المغرب العلامة ابن عبد البر: “أجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار فيما علمتُ على قبول خبر الواحد العدل وإيجاب العمل به إذا ثبت ولم ينسخه غيره من أثر أو إجماع، وعلى هذا جميع الفقهاء في كل عصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا، إلا الخوارج وطوائف أهل البدع” (التمهيد: 1/2).
ويقول: “ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة. وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه” (جامع بيان العلم وفضله:2/117-118).
والأدلة والشواهد على بطلان ما ذهب إليه أهل البدع في التفريق بين الآحاد والمتواتر وطرح الآحاد في أبواب الاعتقاد كثيرة منها:
1- أن هذا التفريق بدعة حادثة لا عهد للسلف بها بل الثابت في سيرهم وتصانيفهم خلاف ذلك، قال ابن القيم: “وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العِلْميات، كما تحتج بها في الطَلَبيات العَمَليات..” (مختصر الصواعق: 2/412).
2- تواتر الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في إرساله الرسل والدعاة آحاداً إلى أطراف البلاد وإلى ملوك الفرس والروم وغيرهم ليبلغوا دعوة الله عز وجل وفي مقدمة ما يبلغونه العقيدة..
3- أن أهل قباء قبلوا خبر الواحد في تغيير القبلة إلى الكعبة، وتركوا الحجة القطعية التي كانوا عليها وأقرهم على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وحديث القصة متفق عليه.
وهذه الدعوى الباطلة لو أخذ بها المسلمون لردوا كثيرا من نصوص الاعتقاد، ولهدموا أجزاء كبيرة من أصول العقيدة الإسلامية ومن ذلك:
– الإيمان بمعراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء.
– الإيمان بشفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من هذه الأمة.
– الإيمان بالقلم الذي كتب كل شيء.
– الإيمان بأشراط الساعة كخروج المهدي.
– الإيمان بسؤال الملكين في القبر…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *